وروى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
" صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى " وفي بعضها خال من قوله " مملوء " وفي بعض " حتى لا يبقى منه شئ " عوض " يفنى " بيان: الحجة المرة من الحج بالكسر على غير قياس والجمع حجج كسدرة وسدر، قال ثعلب قياسه الفتح ولم يسمع من العرب.
أقول: وهذا الخبر بحسب ظاهره لا يخلو من اشكالات: منها - أن الحجة مشتملة على صلاة فريضة وهي ركعتا الطواف وإن كانت الحجة ندبة فإن الصلاة فيها واجبة فيلزم تفضيل الشئ على نفسه بمراتب. ومنها - أنه قد ورد " أن الحج أفضل من الصلاة " (2).
ومنها - أنه قد ورد " أفضل الأعمال أحمزها " (3).
وقد أجيب عن ذلك بوجوه أظهرها ثلاثة (أحدها) أن تحمل الفريضة على اليومية لأنها الفرد المتبادر كما تقدم في الحديث الأول ويحمل حديث أفضلية الحج على الصلاة على غير اليومية وحديث " أفضل الأعمال أحمزها " على ما عدا الصلاة اليومية أو على أن المراد أفضل كل نوع من الأعمال أحمزه أي أحمز ذلك النوع، مثلا - الوضوء في الحر والبرد والحج ماشيا وراكبا والصوم والصلاة في الصيف والشتاء ونحو ذلك.
و (ثانيها) - أن يراد بالفريضة اليومية كما تقدم وأن يراد بالحج المتطوع به دون حجة الاسلام إذ لا تعدد فيها حتى يوزن متعددها بشئ والصلاة التي في الحج المتطوع به ليست بفريضة حيث لم يفرضها الله تعالى عليه ابتداء وإنما جعلها المكلف على نفسه باحرامه للحج فصارت شرطا لصحة حجه، وعلى هذا فيكون الغرض من الحديث الحث على المحافظة على الصلوات المفروضة في طريق الحج بالاتيان بها بشروطها وحدودها