وروى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم؟ فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة ".
بيان: في هذا الخبر الشريف فوائد يحسن التنبيه عليها والتعرض إليها لأن كتابنا هذا كما يبحث عن الأحكام الفقهية يبحث أيضا عن تحقيق معاني الأخبار المعصومية:
(الفائدة الأولى) - يحتمل أن يكون المراد بالمعرفة في الخبر معرفة الله عز وجل ويحتمل الحمل على معرفة الإمام (عليه السلام) فإن هذا المعنى مما شاع في الأخبار كما تكاثر في أخبارهم من اطلاق العارف على ما قابل المخالف، ويحتمل الأعم منهما بل ومن سائر المعارف الدينية والأصول اليقينية والأول يستلزم الأخيرين غالبا، وفي كتاب الفقه الرضوي (2) " واعلم أن أفضل الفرائض بعد معرفة الله عز وجل الصلوات الخمس " وهو ظاهر في تأييد المعنى الأول، والمراد بالصلوات هي اليومية والإشارة بهذه إنما هو إليها لأنها الفرد المتعارف المتكرر المنساق إلى الذهن عند الاطلاق، وفي العدول إلى الإشارة عن التسمية تنبيه على مزيد التعظيم وتمييز بذلك لهذا الفرد أكمل تمييز كما قرر في محله من علم المعاني.
(الثانية) - ظاهر الخبر يقتضي نفي أفضلية غير الصلاة عليها والمطلوب ثبوت أفضليتها على غيرها وأحدهما غير الآخر فإن نفى وجود الأفضل منها لا يمنع المساواة ومعها لا يتم المطلوب، قال شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين:
ما قصده (عليه السلام) من أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال وإن لم يدل عليه منطوق الكلام إلا أن المفهوم منه بحسب العرف ذلك كما يفهم من قولنا ليس بين أهل البلد أفضل من زيد أفضليته عليهم وإن كان منطوقه نفى أفضليتهم عليه وهو لا يمنع المساواة. انتهى. أقول: ويؤيده أن السؤال في الخبر عن أفضلية ما يتقرب به العبد