غيرهما من الملائكة والبهائم وغيرهما، فإن المتوجه على إيجادهما أسماء القهر كالذل، والمنتقم والجبار، فلذلك خرجوا أذلاء في نفوسهم ولا تكبر عندهم.
ثم لا يخفى أن صفات البشر وإن كانت من الأصل لغيره لكنها لما حملت فيه تشكلت بشاكلته وصارت كأنها من أصل طينته لا يمكن زوالها منه أبدا، وإنما الحق تعالى يعطل استعمالها في عباده الصالحين قال تعالى:
* (ومن يوق شح نفسه) *.
فأخبر أن الشح من لازم البشر لكنه توقى العمل به فضلا منه تعالى عليه، وقال تعالى * (ومن شر حاسد إذا حسد) *، وما قال ومن شر أن يقوم بأحد حسد لي، لعلمه تعالى بأن الحسد في كل جسد من البشر من الأمم.
وقد كنت رأيت مرة لوحا أحمر نزل من السماء في سلسلة فضية فيه بالأخضر، اعلموا أن حكم البشر حكم الطينة المعجونة من سائر الأجرام والطعوم والروائح والنفاسة والخبثة والخفة والثقل والجبن والبخل والشجاعة والكرم والروائح الطيبة والكريهة وغير ذلك، فإذا فرقت هذه الطينة بعد عجنها حتى صارت روحا واحدا أجزاء صغارا على أدق ما يقضي به العقل بحكم العقل، بأن في كل جزء مجموع ما تفرق في غيره ففي طينة البشر من صفات الشر ما لا يحصى ومن صفات للخير ما لا يحصى، وفي الأكابر من الصفات الناقصة كما في الأصاغر وعكسه لكن الصفات الناقصة خفية في الأكابر والصفات الكاملة خفية في الأصاغر وعكسه، هذا حكم جميع ولد آدم ما عدا الأنبياء، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد طهر الله تعالى طينهم بسابق العناية لا بعمل عملوه ولا يخير قدموه، فطينهم كلها خير لا شر فيها، وأما غيرهم فهو باق على أصل طينته، وما كان جبليا في النشأة فمحال أن يزول إلا بانعدام الذات، وما دامت العناية تحف العبد فالصفات الحسنة مستعملة في العبد والسيئة معطلة، وحينئذ يقول الناس لذلك الشخص شئ لله، المدد يا سيدي الشيخ، فإذا تخلفت عنه العناية قامت الصفات السيئة للاستعمال وتعطلت الحسنة، فيكون العبد كالشيطان يقول الناس عند رؤيته نعوذ بالله من شر ما رأيناه وتتبرأ منه الخلق أجمعون، ما رأيته في اللوح في واقعة من وقائعنا بمصر المحروسة وقد جهل العارفون من قال في كتابه باب علاج