ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى طول مجاهدة وسلوك على يد شيخ ناصح ليخرج به من حضرات رعونات النفوس ويدخل به إلى حضرات الصفاء ومحبة كل من علم أن يحب الله ورسوله، وقليل من الناس من يصير على طول المجاهدة المذكورة، وما نهانا الشارع عن هذه الأمور إلا شفقة علينا ومحبة لنا خوف أن ينزل علينا البلاء الذي لا مرد له، وتندرس معالم الشريعة بذلك، ولو لم يكن إلا أن من ارتكب شيئا من هذه الأمور لا يرفع له إلى السماء عمل لكان فيه كفاية، فإن الشارع ألحق أعمالنا بأعمال الكفار في عدم رفعها ما دمنا متشاحنين، وقد عم هذا البلاء غالب الخلق حتى بعض العلماء ومشايخ الزوايا وصار أحدهم لا يحب لأخيه خيرا ويشمت به إذا نزل به مصيبة، وصرت إذا سألت أحدهم عن الأخر يقول بئس من ذكرت خلونا بلا غيبة تعريضا لما فيه من النقائص، وصار أحدهم إذا قام أخوه يأمره بالمعروف يخذل عليه ويحمله على الرياء وحب السمعة حتى اضمحل غالب أركان الشريعة وقواعدها، وما هكذا أدركنا المشايخ ولا العلماء فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله إنا قد استحققنا الخسف بنا لولا عفو الله تعالى وحلمه وإذا كان المريدون والعوام الذين غلبت عليهم رعونات النفوس يقبح عليهم مشاحنة مسلم، فكيف بالعلماء ومشايخ الطريق؟ ولكن سبب ذلك كله عدم فطامة هؤلاء المشايخ على يد أشياخهم، ولو أنهم سلكوا الطريق لأكرموا عباد الله بمحبتهم لله ولرسوله وتحملوا أذاهم لله ولرسوله كما قالوا في المثل: لعين تجازي ألف عين وتكرم، فوالله إن عظمة الله ورسوله خرجت من كل مشاحن.
فاعلم أن من الواجب على كل من يدعي أنه يحب الله ورسوله أن يعفو ويصفح عن جميع هذه الأمة المحمدية ولو فعلوا معه من الأذى ما فعلوا إكراما لمن هم عبيده سبحانه وتعالى ولمن هم أمته صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرنا في عهود البحر المورود أن من الواجب على المريد إكرام كل من كان شيخه وموالاته، وأن من كره أحدا من جماعة شيخه بغير طريق شرعي فهو كاذب في دعواه صحة الأخذ عنه، وذلك دليل على تمكن المقت منه، ولو أنهم صح لهم الأخذ عن شيخهم لأحبوا كل من كان شيخهم يحبه، وما رأيت أحدا على هذا القدم في عصرنا هذا سوى سيدي محمد الشناوي، والشيخ سليمان الخضيري، رأيتهما إذا رأيا أحدا ممن يحب شيخهما يرفرفان عليه بقلوبهما ويكرمانه أشد الإكرام، فرضي الله عنهما.