وأكد بتنا عنده عملا بقوله ثم استأذناه من بكرة النهار على الرجوع من عنده، فإن عزم وأكد بتنا عنده كذلك لكن بشرط أن يغلب على ظننا الإخلاص وعدم التجمل، فإن طرقنا منه رياء وحب تجمل فارقناه ولو قهرا عليه لا سيما إن كان مشهورا بالكرم في بلده والخلق يبيتون عنده كثيرا فإن هذا الزمان لا يحتمل أن أحدا يظهر فيه بالكرم في بلده ويكثر عليه الوارد ويصير يطعم الناس بطيبة نفس أبدا، إنما هي تجوينات، وآخر الأمر يتوارى عن الناس أو يرحل من تلك البلد، وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الفقراء والفقهاء الساذجين فيزورون مريديهم وأصحابهم بعيالهم أيام النيل بمصر أو أيام الشتاء ويمكثون عند مريديهم وأصحابهم بعيالهم حتى يتمنى أنه لم يكن عزم عليهم لكثرة كلفة الطعام وضيق المكان الذي يبيتون فيه، فرحم الله من زار وخفف وعمل بكلام الشارع في ذلك.
فاعلم أنه ينبغي للمتورع إذا سافر بلاد الريف مثلا أن لا يبيت في دار من اشتهر بالكرم في هذا الزمان رحمة به لا سيما إن كان من أصحاب من يكرهنا فإن طعام المتكرمين داء في جسد الآكل كطعام البخيل على حد سواء، وإن كان ولا بد له أن يبيت عنده فليحمل عنه عليق بهائمه ويكافئه على طعامه ولو بأن يخلع له ثوبه، وقد مضى أهل المروءات الذين كانوا يعاملون الله تعالى وبقي من يطلب العوض من الناس في كل معروف أسداه إليهم، فاعرف زمانك يا أخي والله يتولى هداك.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه " ".
قال الترمذي: ومعنى لا يثوى عنده لا يقيم حتى يشق على صاحب المنزل. والحرج:
هو الضيق.
وقال الخطابي: معناه لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد ثلاثة أيام من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره فيبطل أجره.
وقال الحافظ عبد العظيم: وللعلماء في الحديث تأويلان: أحدهما أنه يعطيه ما يجوز به ويكفيه في يومه وليلته إذا اجتاز به وثلاثة أيام إذا قصده، والثاني أن يعطيه ما يكفيه يوما وليلة ويستقبلهما بعد ضيافته.