" " إن في القيامة لخمسين موقفا: فأول موقف إذا خرج الناس من قبورهم، يقومون على أبواب قبورهم ألف سنة حفاة عراة جياعا عطاشا، فمن خرج من قبره مؤمنا بربه، مؤمنا بنبيه، مؤمنا بجنته وناره، مؤمنا بالبعث والقيامة، مؤمنا بالقضاء خيره وشره مصدقا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه نجا وفاز وسعد وغنم، ومن شك في شئ من هذا بقي في جوعه وعطشه وغمه وكربه ألف سنة حتى يقضي الله فيه بما يشاء.
ثم يساقون من ذلك المقام إلى المحشر فيقفون على أرجلهم ألف عام في سرادقات النيران وفي حر الشمس، والنار عن أيمانهم وعن شمائلهم، والنار من بين أيديهم ومن خلفهم، والشمس من فوق رؤوسهم، ولا ظل إلا ظل العرش، فمن لقي الله تعالى شاهدا له بالإخلاص مقرا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بريئا من الشرك ومن السحر ومن إهراق دماء المسلمين ناصحا لله ولرسوله محبا لمن أطاع الله ورسوله مبغضا لمن عصى الله ورسوله استظل تحت ظل عرش الرحمن، ونجا من غمه، ومن حاد عن ذلك ووقع في شئ من هذه الذنوب ولو بكلمة واحدة أو تغير قلبه وشك في شئ من دينه بقي في الحشر والعذاب والهم ألف سنة حتى يقضي الله تعالى فيه بما يشاء.
ثم تساق الخلق إلى النور والظلم فيقيمون في تلك الظلمة ألف عام، فمن لقي الله تبارك وتعالى لم يشرك به شيئا ولم يدخل في قلبه شئ من النفاق ولم يشك في شئ من أمر دينه وأعطى الحق من نفسه، وقال الحق وأنصف الناس من نفسه وأطاع الله تعالى في السر والعلانية ورضي بقضاء الله وقنع بما أعطاه الله، خرج من الظلمة إلى النور في مقدار طرفة عين مبيضا وجهه، وقد نجا من الهموم كلها، ومن خالف في شئ منها بقي في الهم والغم ألف سنة، ثم خرج منها مسودا وجهه وهو في مشيئة الله يفعل فيه ما يشاء.