قد طاب الموت لكل عاقل إذا كان المجاذيب صاروا في هذا الزمان الخبيث يحبون الشهرة ويطلبون من الظلمة أن يعمروا لهم زاوية مع كونهم معدودين من الأولياء، فكيف بأمثالنا الذين الفتنة إليهم أقرب من شراك نعلهم.
وكان سيدي محمد بن عنان وسيدي أبو العباس الغمري وسيدي محمد المنير وغيرهم رضي الله عنهم يعتبون على الفقير إذا بني له ضريحا، أو عمل له مقصورة في حال حياته ويقولون هذا كله من بقايا شهوات النفوس.
وأما الوصية بدعاء الناس إلى صلاة الجنازة فلا بأس للعبد أن يوصي إخوانه أن يدعوا إخوانهم في جنازته بقصد تكثير الشافعين لكثرة ذنوبه لا لعلة أخرى نفسانية وإن كان مصلى الجنائز يضيق في العادة عن جنازة مثله فليوص بالصلاة عليه في محل واسع بقصد تخفيف التعب والزحمة على الناس لا لعلة أخرى، فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين وفي رواية ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة عنده وكان ابن عمر يقول: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي مكتوبة.
قلت: ومعنى قوله ما حق امرئ مسلم الخ. أي ليس له أن يبيت ليلتين أو ثلاثا إلا ووصيته مكتوبة بما له وبما عليه، وهذا الأمر قليل فاعله، فيستحي أصحاب المريض أن يقولوا له أوص خوفا عليه من الفزع وليس على بال المريض موت كما جرب ذلك وقالوا إن المريض يخاف الموت في كل ضعفة إلا ضعفة الموت فيطول أمله فيها، والنصح من الإيمان، وشئ أمر به الشارع الذي هو أرحم بالإنسان من أمه لا عذر في تركه لأحد مراعاة لخاطره، وكم اشتغلت ذمم أموات بتركهم الوصية وحبسوا عن مقامهم الكريم حتى توفى عنهم ديونهم، وربما شحت الورثة بذلك المال الذي على ميتهم فلم يوفوا عنه فيصير محبوسا في البرزخ إلى يوم القيامة، فالله ورسوله أحق بالطاعة من ذلك المريض الذي يخاف عليه الموت. والله تعالى أعلم.