البكاء والخضوع حتى لا تكاد تجد إلا من هو قاسي القلب، وربما لامه بعض الناس على ترك البكاء فيقول: البكاء إنما هو للمريدين ونحن بحمد الله قد قوينا على ترك البكاء وأفعال أحدهم تكذبه، فإن الناس لو أخرجوه من زاويته أو أخذوا رزقته أو مسموحه لصار يبكي كالعجوز على ولدها مع أنه هذا ربما تفوته المواكب الإلهية في الأسحار كل ليلة فلا يبكي ولا يتأثر على فواتها فأين دعواه؟ وشرط العاقل أن لا يدعي دعوة قط حتى يكون له شاهد من فعله عليها.
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: كل من لم يبك عند سماع المواعظ فهو كالحمار، فإن الله تعالى هو الواعظ للعبد بكل آية على ألسنة الواعظين.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ناصح يسلك به حضرات الخائفين ويصير يبكي بقلبه ولو ضحك بفمه. وقد بكى السلف الصالح الدم حين نفدت الدموع من خوف الخاتمة وخوف القطيعة، ومن خوف المكر بهم والاستدراج، وأنت يا أخي كأنك أخذت من الله تعالى مرسوما بأنه لا يمكر بك وكل ذلك من تلبيس إبليس، وقد قال تعالى في حق المصلين.
* (الذين هم على صلاتهم دائمون) * وفي حق المزكين * (الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) * وفي حق المؤمنين * (الذين يصدقون بيوم الدين) * وفي حق الخائفين * (الذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون) *.
فتأمل يا أخي إذا كان أهل هذه الصفات لم يؤمنهم الله تعالى من عذابه فكيف من كان بالضد من ذلك كأمثالنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح حتى يصير الجوع من شأنك لتبكي عند المواعظ خوفا من ربك، والله يتولى هداك.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا:
" " من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذبه الله يوم القيامة " ".