فأدب يا أخي ولدك ولا تغفل عنه وإن كنت شيخ زاوية، فعلمه كيف يتلقى الواردين من الفقراء والعلماء والأمراء ومشايخ القرى وغيرهم، وعلمه آداب الضيافة، ومكافأة الناس على هداياهم، وعدم ادخار شئ عن الضيف وعدم تكلفه له، وأخبره بأن من تكلف للضيف سوف يهرب ولو على طول، وأمره بإجلال جماعة والده وبمحبتهم والإحسان إليهم، وإيثارهم على نفسه في المأكل والهدايا وغير ذلك، وذلك ليعكفوا عليه بعد والده حتى يظهر له فضله، ويحتاج الناس إليه في علم أو سلوك أو شفاعة ونحو ذلك.
وأمره باكتساب الفضائل ليلا ونهارا والإيثار على نفسه، وتحمل الأذى من جميع الخلق حتى يصير يهرب من الناس فيتبعونه، فإن كل من احتاج إلى جلب الناس بالإحسان فمشيخته مفتعلة، وإن رفعهم من جهة تصرموا من جهة أخرى، وليس هذا من شأن الفقراء، إنما ذلك من شأن أبناء الدنيا، وقد خالف كثير من أبناء ما ذكرناهم وعادوا أصحاب والدهم ففر الناس منهم وأخربوا الزاوية، ولو أنهم أجلوا أصحاب والدهم لكملوهم بالأدب الذي أخذوه عن والدهم.
وبعضهم ادعى أنه رأى والده بعد موته في المنام، وقال له كل من كنت أحبه فابغضه فعمل بذلك، فقلت له هذا إبليس، فلم يعتقد صدق مقالتي وقال رأيت والدي حقا، فقلت له لو رأى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له اكره أبا بكر وعمر وكل من كنت أحبه فابغضه هل يجوز له بغضهم؟ فقال لا، فقلت فكذلك في أصحاب الأولياء، فرجع واستغفر الله تعالى وتاب وصالح جماعة والده فعمرت الزاوية، فالحمد لله رب العالمين.
وقد جاءني الشيخ جلال الدين البكري بولده محمد وقال ادع الله له أن يجعله كأخيه أبي الحسن فقلت له يكفي واحد في البيت مرصد لإقراء الناس العلم ولكن أدعو له أن الله يعرفه مقادير الواردين على الزاوية فانقبض خاطره من ذلك.
وبالجملة فالكمال في الشخص إنما يكون بمراعاة معرفة الشرع والعرف والعمل بهما والسلام.
روى الترمذي مرفوعا: " " لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع " ".