عن الوقوع في شئ من المعاصي، ولا يصير لها قط شهوة إلى معصية، وإلا فمن لازمك الوقوع حتى لا يكاد يسلم لك عضو واحد من أعضائك من المعصية، والله يتولى هداك.
وسمعت سيدي عليا الخواص يقول: مراتب شهود الأكابر أن لا يروا شيئا إلا ويرون الله تعالى قبله، فيكون الحق تعالى حاجبا لهم عن الأكوان، ومثل هؤلاء لا يؤمرون بغض النظر كالغير، وإنما يغضون أبصارهم حياء من الله تعالى وإجلالا له. قال ومشهد من دونهم أن لا يروا شيئا إلا ويرون الحق تعالى معه، فيشهدون الحق مع الخلق مع الفرق بين العبد والرب، ومشهد أصحاب الفكر من العلماء أن لا يشهدوا شيئا إلا ويرون الله بعده لأن الأكوان أمارات على القدرة الإلهية، والصنعة تدل على الصانع بيقين.
وسمعت أخي أفضل الدين يقول: من شهد الخلق مع الحق معا فهو الكامل الذي لا أكمل منه، خلاف قول الجنيد وغيره، من شهد الخلق لم ير الحق ومن شهد الحق لم ير الخلق.
قلت: وقول أخي أفضل الدين هو الحق لا سيما والرسول مكلف برعاية أمته ليلا ونهارا من حيث الأمر والنهي ومعظم رسالته إنما هو لأجلهم، إذا كان شهود الحق تعالى حاجبا له عن الكون، فلمن يأمر وينهى ولمن يخاطب بالتكاليف وفيمن يجاهد بالسيف فتأمل. فقد علمت يا أخي أن كراهة عدم غض البصر إنما هو في حق من يورثه ذلك محظورا لا في حق أهل الله تعالى المتقدم ذكرهم. والله تعالى أعلم.
روى الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا عن الله عز وجل قال:
" " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه " ".
وروى الإمام أحمد مرفوعا: " " ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة، ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوته في قلبه " ".
ولفظ الطبراني: " " ما من مسلم ينظر إلى امرأة أول رمقة " ".
قال البيهقي: والمراد أن يقع بصره على المرأة من غير قصد فيصرف بصره عنها تورعا لا أنه يقصد النظر إليها أولا.