فلولا أن الإحسان إلى الأرقاء أمر عظيم ما قرنه صلى الله عليه وسلم التي هي عماد الدين.
واعلم يا أخي أنك لو أحسنت إلى عبدك مدى الدهر لا تقوم بواجب حق عبدك عليك لأنه بالأصالة إنما هو عبد الله كما أنك عبده، فإحسانك إليه يصحبه شهود المنة عليه، ولا هكذا إحسان عبدك إليك، فأجره موفر للدار الآخرة بخلاف أجرك، وهنا أسرار يعرفها أهل الله تعالى لا تسطر في كتاب.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي للفقراء أن يروا لهم ملكا لشئ من الوجود لا عبدا ولا أمة ولا دابة كما كان صلى الله عليه وسلم وكمل ورثته يفعلون، وكان كل عبد دخل في يدهم أعتقوه لوقته، فهم يستحيون من الله تعالى أن يراهم يستعبدون أحدا من الخلق، ويجعلون عبيد سيدهم عبيدا لهم، فإن ذلك عندهم من أعلى طبقات سوء الأدب، ومن هنا كانوا عبيد الله خالصين لم يسترقهم شئ من مملكة الدارين، ولو أعطاهم الحق تعالى شيئا قبلوه أدبا ثم خرجوا عنه في الحال لربهم حياء منه أن يراهم مشاركين له في وصف من الأوصاف، فليس فرحهم سوى إقبال الحق عليهم، وليس حزنهم إلا على إدبارهم عنه لا غير، فسواء أقطعهم الجنة كلها أو لم يقطعهم منها هو عندهم سواء لعدم شهودهم دخول شئ من الكونين في ملكهم وشكرهم لله تعالى إنما هو من حيث النسب لا غير فافهم ذلك فإنه نفيس جدا ويؤيد ما قلناه من عدم ملك العبد مع ربه حديث:
" " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي " ".
وبالجملة فليس في الدارين نعيم أكبر من نعيم مجالسة الحق تعالى، ولذلك ورد:
ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها.
وذلك لأنهم لا يجالسون الله تعالى في الجنة إلا بقدر مجالستهم له في ذكره في دار الدنيا وإن كانت في الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا، فمجالسة الحق في دار الدنيا كالنواة الكامل فيها أغصان وورق وثمار، فربما تكون الذرة من مجالسة العبد لربه في الدنيا تضعف له في الآخرة ألف وألف ضعف أو أكثر أبد الآبدين.