فهجره سيدي مدين، فقيل له في ذلك فقال: إني لم أهجره من أجل كسر جرة الخمر، وإنما هجرته من جهة تعاطيه أسباب فضول النظر وعدم خروجه إلى السوق بالطيلسان، فعرض نفسه لأمر قد يعجز عنه، ولو أنه خرج من بطيلسان أو غض بصره لما وقع بصره على محرم.
ويتعين فعل ما ذكرناه اليوم من غض البصر على فقراء الزاوية لعدم ضبطهم على امتثال أمر الله لهم بغض البصر، فإذا لبسوا الطيلسان رد بصرهم قهرا ويصير ينبههم على الكف حين يحتاجون لرفع الرأس، ويتكلفون لرفعه بخلاف ما إذا تركوا الطيلسان، فإنه يسهل عليهم الالتفات إلى طبقات البيوت وغيرها.
وسيأتي في عهود المنهيات في معنى حديث: وكانت خطيئة أخي داود عليه السلام النظر أن المراد بالخطيئة كونه رفع بصره عليه السلام بغير حضور، وذلك لأن الأكابر مكلفون بأن لا يقع منهم حركة ولا سكون إلا بعد حضور مع الله ومراقبة له، فكانت الخطيئة عين الرفع مع الغفلة، لا عين النظر إلى امرأة أو رياء كما قيل، لأن الأنبياء معصومون عن الوقوع في النظر المحرم ولو فجأة، لعكوفهم بقلوبهم في حضرة الإحسان فلا يقع منهم خطيئة لا سهوا ولا عمدا. وأيضا فإنهم مشرعون لأممهم في جميع الحركات والسكنات، فلو صح في حقهم الوقوع في معصية ما لصدق عليهم تشريع المعاصي ولا قائل بذلك من المسلمين، فكانت ذنوبهم صورية ليروا من وقع من أممهم في خطيئة كيف يفعل، وقد بكى داود حتى نبت العشب من دموعه تعظيما لحرمات الله تعالى على أن قومه يفعلونها، فكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم إنما هو من باب شفقته على قومه، كما كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة وقال:
إنه ليغان على قلبي.
يعني مما ستقع فيه أمتي بعدي، هكذا كان سيدي علي الخواص يقول لنا في معنى استغفار المعصومين، وقال جميع ما ذكر عن الأنبياء مما يخالف هذا إنما أخذه الناس من كتب اليهود الذين كذبهم الله تعالى في وجوههم ولم يأتنا ذلك في كتاب ولا سنة وإنما جاء الأمر مجملا، والأنبياء من مقامهم العكوف في حضرة الإحسان التي منها حفظ من حفظ من الأولياء الذين دخلوا حضرة الإحسان.
فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح ليدلك على دخول الحضرة التي تحفظ منها جوارحك