في غيبته، ويجلس مع امرأة أخيه وتخرج له ما يأكل وما يشرب، فكانا من أولياء الله تعالى (1)، (1) الخلوة محرمة بالاتفاق، وهذا الكلام يخالف طريقة الإمام الشعراني في تقديم ظاهر السنة على الرأي والتأويل، ويستغرب تعليله " فكانا من أولياء الله تعالى "، إذ الأولى منه الإنكار عليهما كدأبه، رحمه الله وغفر لنا وله آمين، فجل من لا يخطئ. دار الحديث.
لكن أنى لنا في هذا الزمان أن يظفر أحدنا بأخ صالح يأمنه على الخلوة بعياله بحيث لا يتخلله تهمة فيه، فوالله لقد قل الصادقون الذين يؤتمنون على مثل ذلك، فنوصي عيالنا أن يخرجوا للضيف ما يأكل وما يشرب مع الخادم ولا يختلطن به.
واعلم يا أخي أنه كلما كثر طعامك للناس كلما كثرت النعمة عليك، فإن الله تعالى يسوق لكل عبد من الرزق بقدر ما يعلم في قلبه من السخاء والكرم، فمنهم من يكون عنده قوت خمسة أنفس، ومنهم من يكون عنده قوت عشرة، وهكذا إلى الألف نفس أو أكثر، فتعرف مراتب الناس في الكرم بقدر عيالهم، وقد يكون بعض الأولياء يطلب لنفسه الخفاء والتجرد، فلا يكون عنده أحد وهو في غاية الكرم، ويود أن لو كان كل من في الدنيا عائلته، فمثل هذا يعطيه الله تعالى في الآخرة أجر من عال جميع الخلق وراثة محمدية، فيحصل له هذا الثواب العظيم مع الخفاء وعدم الشهرة، فإن الله هو الرزاق للعبد، ومن كان هذا مشهده فكثرة العيال وقلتهم عنده سواء لا يتحمل هما من جهتهم أبدا وإنما يلحقه بعض كرب إذا توجهت العائلة إليه من حيث كونه واسطة مع عدم شهودهم أن الله هو الرزاق، فيقصرون أجرهم على ذلك العبد فيؤثرون فيه الضيق والكرب حتى يصل إليهم رزقهم الذي قسمه الله لهم على يده، ولو أنهم كلهم كانوا متوجهين إلى الله دونه ما تأثر من جهتهم قط ولا حمل هما.
وقد كان سيدي أحمد الزاهد يقول: وعزة ربي لو كان أهل مصر كلهم عيالي ما طرقني هم أبدا لعلمي بأن القسمة وقعت في الأزل فلا زيادة ونقص، ولا يقدر أحد يأكل لقمة قسمت لغيره وتعويق الرزق عن العبد إنما هو تأديب له أو اختبار أو رفع درجة.
قلت: وقد من الله تعالى علينا بذلك فلو كان جميع من في الأرض كلهم عيالي ما اهتممت لهم إلا من جهة توجههم إلى قصور بصرهم أو لكونهم لا يستحقون ما طلبوه مني لتركهم الصلاة وتعديهم الحدود ونحو ذلك فالحمد لله رب العالمين.
ولا تصل يا أخي إلى العمل بهذا العهد إلا بالسلوك على يد شيخ مرشد يوصلك إلى شهود ما ذكرناه، وإلا فمن لازمك الاهتمام بالرزق وترادف الأوهام المكدرة عليك حتى لا تكاد ترجع إلى شهود أن الله تعالى فرغ من قسمة الرزق إلا بعد تأمل وتفكر،