سبيل له إلى العمل به ولو صار من أعلم الناس فإن العلم بمجرده محتف بآفات يتيه بها العبد عن طريق الوصول إلى العمل بما علم.
ومن كلام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه: إنما احتاج العلماء إلى شيخ يربيهم مع ذلك العلم العظيم الكثير لعدم إخلاص نيتهم فيه ودخول الإعجاب فيه، وطلب أحدهم أن يصرف وجوه الناس إليه، ولو أنهم سلموا من الآفات وأتوا حضرة العمل بلا علة لنارت قلوبهم بالعلم وأشرفوا على حضرة الله عز وجل، ولهان عليهم بذل نفوسهم في مرضاة الله تعالى، فضلا عن شئ من أعراض الدنيا.
فلا تطمع يا أخي بهذا العهد بنفسك من غير شيخ تقتدي به فإن ذلك لا يصح لك، بل من شأنك أن تكون جموعا منوعا حتى تموت كما هو مشاهد في غالب الناس، حتى رأيت بعض الناس وهو يسأل من بعض شيوخ العر ب الظلمة أن يرتب له خبزا من صدقة، فقلت له في ذلك، فقال: الضرورات تبيح المحظورات، فقومت ثيابه وفرسه فوجدت ثمنها نحو ألفين ونصفا، فقلت له: أين الضرورة؟ فما دري ما يقول:
فسألت عنه بعض من يعامله، فوجدت له مع الناس نحو عشرة آلاف دينار، فقلت له:
أتلبس على الله ما هو مليح؟ فقال لي: كان الواحد من الصحابة يملك العشرة آلاف دينار أو أكثر فقلت له وكان مع ذلك لا يدخرها عن محتاج فلم يجد جوابا، ولو أنه كان سلك طريق أهل الله تعالى لأغناه الله عن السؤال بمال حلال أو بقناعة، وذلك أن السالك على مصطلح أهل الله تعالى طريقة الذكر، ومن خاصيته جلاء القلب من ظلمات الرعونات النفسانية حتى يشرف على الجزاء الجسماني أو الروحاني الذي وعد الله به المنفقين والمتصدقين في الدار الآخرة، فإذا أشرف على ذلك صغرت عنده الدنيا بأسرها فيصير يبادر لإنفاقها، ولو منعوه جهرا أنفق سرا لما يرى لنفسه في ذلك من المصلحة ولا هكذا من يعلم أحكام الله على التقليد مع تعاطي شهوات النفوس من أكل وشرب ولباس ومركب ومنكح وغير ذلك من الأمور التي لا تكمل له إلا بالدنيا، فلا يكاد ينفق شيئا من مرضاة الله تعالى إلا إن اكتفت نفسه من شهواتها والشهوات لا قرار لها إذ كل شهوة تجذبه إليها، ولو كان له في كل يوم مائة دينار ما كفته.
واعلم يا أخي أنه قد ورد: إن العبد ليرزق سنة في شهر، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية سنته، وإن العبد ليرزق رزق شهر في جمعه، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية الشهر، وإن العبد ليرزق رزق جمعة في يوم، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية جمعته.