ولا يطعم أحدا لقمة أعلى في المقام ممن سفرته ممدودة ليلا ونهارا، وقد قدمنا قبل هذا العهد قريبا أن من عباد الله الكمل قوما حماهم الله تعالى من مشاركة الحق تعالى في خطور منتهم على أحد من خلقه، فلذلك لم يجعل على يدهم رزقا لأحد يتميزون به على أقرانهم خوفا أن يخطر على بالهم المنة على من أخذ منهم ولو في حال العطاء فقط، ورأوا أن سلامتهم من مزاحمة الحق في المنة أرجح من ثواب ذلك العطاء كما هو مشهد الكمل من الملامتية في تركهم كثيرا من النوافل التي يرى العبد بها أن قد وفى بحق الربوبية وزاد عليه، فافهم.
واسلك يا أخي على يد شيخ ليخرجك من حكم الطبيعة عليك بالشح ويخلصك إلى حضرات الكرم والسخاء، فلا تكاد تبخل على فقير كما درج عليه السلف الصالح رضي الله عنهم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: إذا علمت شيخا يقتدي بك فإياك أن تدع أبناء الدنيا يخرجون عليك في البخل بأن لا تشح بشئ مطلقا، إذ من شرط الشيخ أن يكون الألف دينار عنده إذا أعطاها لفقير حكم الحصاة من التراب على حد سواء، ومتى استعظمت يا أخي شيئا مما أعطيته فأنت لم تشم من طريق الصالحين شمة.
قال: وتأمل الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه لما دخل اليمن أتوه بعشرة آلاف دينار ففرقها في المجلس، فصار يفرق منها ويعطي الناس حتى فرغت.
وقد حلق شخص لإبراهيم الخواص رأسه على ما يفتح الله به فجاءه وهو يحلق ألف دينار فدفعها إلى المزين فرماها المزين، وقال للخواص أما تستحي تقول لي احلق رأسي لله ثم تعطيني شيئا من الدنيا، والله ما حلقت لك إلا لله ورماها للناس.
وسأل شخص علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين شيئا فأخرج بدرة فيها عشرة آلاف دينار وقال: والله ما وجدت لك غيرها، فقال له الشخص أعطني أجرة حملها إلى منزلي، فأعطاه طيلسانه فولى وهو يقول أشهد أنك من أولاد المرسلين حقا.
وكان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إذا وجد على بابه سائلا يقول مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة مني حتى يضعه بين يدي الله عز وجل.