وهذا أمر ربما يخل به كثير من المشايخ فضلا عن غيرهم، وكذلك كان دأب سيدي علي الخواص إلى أواخر عمره، ثم قبل من الناس قبل موته وصار يضع الدراهم والدنانير عنده في قدرة، فكل من مر عليه من العميان والعاجزين والمديونين يعطيه من ذلك ويقول ما في الكون مال إلا وله ناس يستحقون الأكل والملبس منه من أصحاب الضرورات.
وسمعته رضي الله عنه يقول: لو كشف للمحجوبين لرأوا جميع ما يأتيهم من الناس إنما هو هدية من الحق تعالى وهو الذي قدمه إليهم فكيف يصح لصاحب هذا المشهد أن يرد.
فقلت له: فأين ميزان الشريعة حينئذ؟ فقال: موجود، وهو أنه لو شهد أن الحق تعالى هو المعطي لا يقبله إلا إن رأى وجه رضاه به فإن المعاصي كلها بتقدير الله وإرادته، ومع ذلك فيردها العبد وجوبا ويدافعها جهده حتى لا يقع في هلاكه، فاعلم أنه ما وقع لأحد رد إلا وهو محجوب في حجاب ظاهر الشريعة المطهرة، فإن لسان حالها يقول: إذا جاءكم مال من غير طيبة نفس الخلق فردوه، ولو شهدتم أن الله تعالى هو المعطي فإنه هو الذي نهاكم عن قبوله فما رددتموه إلا بأمره، ولسان الحقيقة يقول: ما ثم أحد يملك مع الله شيئا كشفا ويقينا فخذوا كل ما وصل إليكم عن الله لا عن خلقه، ولسان الجامعين بين الحقيقة والشريعة يقولون: لا نقبل شيئا للشرع عليه اعتراض لأن كون الأمور ملكا لله تعالى محل وفاق بين جميع الملل، وما جعل الله تعالى الرقي في الدرجات إلا بالورع عما حرم الله، فإياكم أن تخرقوا سور الشرع، فإن الذي قال لكم الوجود كله ملكي هو الذي نهاكم عن قبول الحرام والشبهات، وكأنه تعالى يقول: ولو شهدتم أنه ملكي فلا تأخذوه إلا بطيبة نفس من عبدي فلان، فإن أخذتموه بغير طيبة نفس منه عذبتكم، فالعذاب إنما هو من أجل مخالفة ما حده الله لنا لا من جهة أن العبد يملك مع الله تعالى فإنه لا يصح أن يتوارد ملكان حقيقيان على عين واحدة أبدا.
فيجب على صاحب الحقيقة مراعاة الشريعة وعكسه، ومن لم يكن كذلك فهو أعور لا يصح أن يقتدي به في طريق أهل الله تعالى.
وأجمع العارفون على أن من شرط الكامل أن لا يطفئ نور معرفته نور يعني أن نور معرفته يحجبه عن شهود الملك لغير الله، ونور ورعه لا يكون إلا مع شهود نسبة الملك للخلق، فالكامل من يتورع عن أكل ما بأيدي الناس إلا بطريقه الشرعي مع شهوده جزما أن ذلك ملك الله