على شرط مسلم بنحوه أيضا. وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الاذان. وقد استدل بأحاديث الباب من قال: إنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية، وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق، وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا أو كبيرا، وقالت الهادوية: إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين، ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه، وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن، وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة. منها: أن حديث أبي وعبادة قضيتان في عين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه. وأما من علم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به. وأما حديث عمران بن حصين فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير اتخاذ الاجر على تعليمه وأما حديث عبد الرحمن بن شبل فهو أخص من محل النزاع، لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه. وأما حديث عثمان بن أبي العاص فالقياس للتعليم عليه فاسد الاعتبار لما سيأتي، هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب، ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع ما تقضى به يفيد ظن عدم الجواز وينتهض للاستدلال به على المطلوب، وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال فبعضها يقوي بعضا، ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها، والمحرمات إنما تترك لتحريمها، فمن أخذ على شئ من ذلك أجرا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل لأن الاخلاص شرط، ومن أخذ الأجرة غير مخلص، والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الافراد قبل قيام غيره به. ومن جملة ما أجاب به المجوزون دعوى النسخ بأحاديث ابن عباس الآتي وسيأتي الجواب عن ذلك، واستدلوا على الجواز أيضا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا، فقال:
(٢٧)