وإن كرهتي فانطقي. ونقل ابن عبد البر عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل إذنها وتفويضها لا يكون رضا منها، بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها، وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما، لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما، والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الأبكار، وظاهر أحاديث الباب أن البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد عليهم ما في أحاديث الباب من قوله: والبكر يستأمرها أبوها. ويرد عليهم أيضا حديث عبد الله بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة، وأما ما احتجوا به من مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الثيب أحق بنفسها من وليها فدل على أن ولي البكر أحق بها منها، فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق، وقد أجابوا على دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس، ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ: وآمروا النساء في بناتهن قال: ولا خلاف أنه ليس للام أمر لكنه على معنى استطابة النفس. وقال البيهقي: زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة، قال الشافعي: زادها ابن عيينة في حديثه، وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن. قال الحافظ: هذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى. وأجاب بعضهم: بأن المراد بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس اليتيمة لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه، واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد، وأجيب بأن اليتيمة هي البكر، وأيضا الروايات الواردة بلفظ تستأمر وتستأذن بضم أوله هي تفيد مفاد. قوله: يستأمرها أبوها وزيادة لأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات، ومما يؤيد ما ذهب إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور: أن جارية بكرا الخ. وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره، وقد حكي في البحر الاجماع على اعتبار رضاها، وحكي أيضا الاجماع، على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في حكمه، والظاهر أن استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى الله عليه وآله وسلم لنكاح خنساء بنت خدام كما في
(٢٥٥)