وثانيا: أن ما أفاده يرجع إلى بيان عدم الثمرة في الترديد المزبور لعدم الواسطة بين غير الموافق والمخالف وبين الموافق وغير المخالف، بحسب الوجود الخارجي فيما نحن فيه، فلا أثر للتكلم بأن المراد هذا أو ذاك.
ولكن هذا لا يقتضي أن يكون المراد بالموافقة عدم المخالفة، إذ لماذا لا يقال العكس، فيلتزم أن المراد من عدم المخالفة هو الموافقة؟
فما نحن فيه ليس نظير ما يقال في أخبار عرض الأخبار المتعارضة على الكتاب وطرح المخالف، من أن المراد بالمخالفة هو المخالفة بغير العموم والخصوص لقرينة تذكر في محلها. فتدبر.
والتحقيق أن يقال: إنه إذا لم تكن واسطة خارجا بين المخالف وغير الموافق فيما نحن فيه، فلا أثر للبحث في هذه الجهة أصلا.
وإن كانت هناك واسطة، فللبحث أثر واضح، لأن بين عنوان امضاء غير المخالف ونفي غير الموافق عموما من وجه، ويجتمعان فيما ليس بموافق ومخالف، فأحدهما ينفيه والآخر يصححه.
وعليه، نقول إن ظاهر رواية ابن سنان الأولى هو كون المناط عنوان الموافقة وعدمها، لأن صدرها وإن تكفل نفي الشرط المخالف للكتاب، إلا أنه في الذيل يقول: " والمسلمون عند شروطهم مما وافق... " وهو ظاهر في كونه ناظرا إلى تحديد ما هو النافذ من الشروط وبيان أن ما ذكر في الصدر من أنه أحد مصاديق الشرط الموافق، فيكون حاكما على غيره من النصوص، ولا أقل من كونه أظهر منها في اعتبار عنوان الموافق فيقدم ويؤخذ بظهوره لا محالة.
ثم إنه قد استظهر من النبوي الوارد في شراء بريرة أنه في مقام نفي الشرط المخالف للكتاب، فيشكل بعدم انطباقه على مورده لأن شرط الولاء للبائع لم يتعرض له الكتاب نفيا أو اثباتا.
ولأجل ذلك حمل المراد بالكتاب على ما هو أعم من القرآن الكريم، فقيل: إن المراد به ما كتبه الله على عباده من أحكام الدين وإن بينه على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).