صارت في هذا العالم من فعل الباري الخير فان الباري لما خلق هذا العالم ارسل إليه النفس وصيرها فيه ليكون العالم ذا عقل لأنه لم يكن من الواجب إذا كان هذا العالم متقنا في غاية الاتقان ان يكون غير ذي عقل ولم يكن ممكنا ان يكون العالم ذا عقل وليست له نفس فلهذه العلة ارسل الباري تعالى النفس إلى هذا العالم وأسكنها فيه ثم ارسل نفوسنا وأسكنها في أبداننا ليكون هذا العالم تاما كاملا ولئلا يكون دون ذلك العالم في التمام والكمال فينبغي ان يكون في العالم الحسى من أجناس الحيوان ما في هذا العالم العقلي.
ومنها ما قاله أرسطاطاليس في مواضع كثيره من كتابه في معرفه الربوبية من ذلك قوله: الطبيعة (1) ضربان عقلية وحسية والنفس إذا كانت في العالم العقلي كانت أفضل وأشرف وإذا كانت في العالم الحسى كانت أخس وأدنى من اجل الجسم الذي صارت فيه والنفس وان كانت عقلية ومن العالم الاعلى العقلي فلا بد ان ينال من العالم الحسى شيئا وتصير فيه لان طبيعتها متلاحمة للعالم العقلي والعالم الحسى ولا ينبغي ان تذم النفس أو تلام على ترك العالم العقلي وكينونتها في هذا العالم لأنها موضوعه بين العالمين جميعا وانما صارت النفس على هذه الحال لأنها آخر تلك الجواهر الشريفة الإلهية وأول الجواهر الطبيعية الحسية ولما صارت مجاورة للعالم الحسى لم تمسك عنه فضائلها بل فاضت عليه قواها وزينته بغاية الزينة وربما نالت من خساستها ذلك الا ان يحذر ويحترز.
ومن ذلك قوله في موضع آخر ان النفس الشريفة وان تركت عالمها العالي