الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٩ - الصفحة ١٦٣
لأجل طلبها ما يلائمها وهربها عما ينافرها حتى الحيوانات الناقصة كالاسفنجات والأصداف فإنها تتحرك حركات انقباض وانبساط بالإرادة ولو لم نشاهد منها هذه حركه لم نعرف ان لها قوه اللمس فإذا كان الامر كذلك وقد وجدنا مثل ذلك في العناصر والنباتات فان الأرض يهرب عن العلو إلى السفل على طريقه واحده والنار تهرب من السفل إلى العلو على طريقه واحده فإذا حاولت النار الصعود فان عارضها في صوب حركتها معارض رجعت عنه إلى سمت آخر بل إلى السفل وصعدت من الجوانب التي لا مانع فيها وكذا النبات لو صادفه مانع عن سمت نموه وحركته انحرف عنه إلى جهة أخرى ويميل أيضا من جانب الظل إلى جانب ضوء الشمس.
وأيضا الشجر النابت بقرب النهر يمتد إلى جانب الماء شعب أصوله ليسهل وصول الماء إليه ليجذبه إلى غير ذلك من الحركات لطلب الملائم والهرب عن المنافر وكل ذلك يدل على شعورها بالملائم وغير الملائم.
وأيضا (1) ما ذكرتم من أن الحيوان لما كان بدنه من مادة مصورة بصوره من باب أوائل الكيفيات وصلاحه باعتدالها وفساده بضدها فلا بد له من قوه حافظه إياها مدركه لما يلائمها وينافرها حتى يطلب بها الأول ويهرب عن الثاني وهذا الوجه جار في النبات أيضا بل في الجماد والعناصر لكنا نجيبك بعد تمهيد ان الادراك عبارة عن وجود صوره حاضره عند موجود وجوده لنفسه وان الموجودات المادية السارية فيها لا حضور لها في نفسها فكيف (2) لما يدركها.

(1) عطف على قوله وكل ذلك الخ على حد قوله تعالى: (اكلها دائم وظلها) والتقدير. وأيضا ما ذكرتم يدل الخ وان لم يلائمه قوله وهذا الوجه جار لكنه تأكيد له وجريانه اما بعينه واما بنظيره بان يقال لا بد من حافظ يحفظ جسمه فلا يرد ان العناصر البسيطة لا مزاج لها لكن هذا الوجه ضعيف لان الحافظ في جميع هذه هو الصور النوعية كما يقال في المركب التام انه الذي له صوره نوعيه حافظه لتركيبه ومزاجه مده معتدا بها الا ان الحيوان لكون جسمه الطف ومزاجه اعدل وأكثر عرضه للآفات يحتاج إلى الشعور اللمسي بخلافها س ره.
(2) المتعلق محذوف أي لها فان الكلام في حضور المدرك بصيغة المفعول للمدرك بصيغة الفاعل لا في العكس س ره.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست