فصل (3) في ايضاح القول في هذه المسألة المهمة وتعقيب ما ذكروه وهدم ما أصلوه اعلم أن هذه المسألة دقيقه المسلك بعيده الغور ولذلك وقع الاختلاف بين الفلاسفة السابقين في بابها ووجه ذلك أن النفس الانسانية ليس لها مقام معلوم في الهوية ولا لها درجه معينه في الوجود كسائر الموجودات الطبيعية والنفسية والعقلية التي كل له مقام معلوم بل النفس الانسانية ذات مقامات ودرجات متفاوتة ولها نشآت سابقه ولاحقه، ولها في كل مقام وعالم صوره أخرى كما قيل:
لقد (1) صار قلبي قابلا كل صوره فمرعى لغزلان وديرا لرهبان.
وما هذا شانه صعب ادراك حقيقته وعسر فهم هويته والذي أدركه القوم من حقيقة النفس ليس الا ما لزم وجودها من جهة البدن وعوارضه الادراكية والتحريكية ولم يتفطنوا من أحوالها الا من جهة ما يلحقها من الادراك والتحريك وهذان الأمران مما اشترك