ما يصحح أحد الامرين من البدو والإعادة يصحح الأخرى ولهذا كثيرا ما وقع في الكتاب الإلهي اثبات الإعادة بثبوت البداية كقوله تعالى: (كما بدانا أول خلق نعيده).
واعلم أن حكاية هبوط النفس الآدمية من عالم القدس موطن أبيها المقدس إلى هذا العالم موطن الطبيعة الجسمانية التي كالمهد وموطن النفس الحيوانية التي هي بمنزله أمها مما كثرت في الصحف المنزلة من السماء ومرموزات الأنبياء وإشارات الأولياء والحكماء الكبراء ففي القرآن العزيز ذكر هبوط النفس وصعودها في آيات كثيره كقوله تعالى: (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وكقوله تعالى في حكاية آدم وهبوطه من عالم الجنان: (قلنا اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقوله تعالى: (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) وقوله تعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر إلى قوله ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)، وقوله تعالى: (ان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) وقوله تعالى: (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة).
وفي الحديث النبوي: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) إشارة إلى تقدم وجودها في معادن ذواتها من العقول المفارقة التي هي خزائن علم الله وكيفية هذا التقدم في الوجود كما حققناه ووجهناه من أن للنفوس كينونه عقلية تجردية كما أن لها كينونه تعلقية وكما أن للأشياء (1) الخارجية الجزئية ثبوتا في القضاء السابق الإلهي وهي هناك مصونة عن التغير والمحو والاثبات وهاهنا واقعه في الكون والفساد والمحو والاثبات لقوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب يعنى اللوح المحفوظ عن التغير والتبدل.
وفي كلام أمير المؤمنين ع (رحم الله امرءا عرف من أين وفي أين والى أين).
فالأولى إشارة إلى حال النفس قبل الكون والوسط إلى ما مع الكون والاخر إلى