الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٩ - الصفحة ٢٠٦
الا باله جزئيه واما ثانيا فلان هذا الحكم قد يقع من الحيوانات التي لا عقل لها إذ لولا ذلك لتعذرت عليها الحياة ولو لم يكن الشم والشكل دالا لها على الصورة المطلوبة لم تطلبها أو على الصورة المهروب عنها لم تهرب عنها فظهر ان للمحسوسات الظاهرة اجتماعا في قوه جزئيه ادراكية وليس شئ من الحواس الظاهرة كذلك فلا بد من مدرك باطني جزئي وهو المسمى بالحس المشترك.
وهذه الحجة (1) لا يخلو عن ضعف إذ العقل في الانسان والوهم في الحيوان جامع لجميع القوى المدركة وغيرها وهو الحاكم على مدركاتها والمستعمل للجميع فيكفي للحكم بان هذا الأبيض هذا الحلو إذا أبصر بياض السكر ببصره وادراك حلاوته بذوقه.
وأيضا إذا عقلنا الانسان (21) الكلى ثم شاهدنا شخصا معينا منه حكمنا بان هذا

(1) أقول بل هي قويه متينة بيانها انه كما أن الهيولى والصورة اللتين هما نوعان من الجوهر ليسا جسما بل اللتان تأدى تركيبهما إلى الوحدة وصارتا نوعا واحدا آخر منه وهو الجسم كذلك البياض الذي في البصر والحلاوة التي في الذوق ليسا مناط الحكم بان هذا السكر هذا الحلو وكذا نفس تركيبهما الحقيقي فإنه عمل المتصرفة التي شانها الفعل لا الدرك فان عملها كانضمام شئ إلى شئ بفعل الطبيعة كان نضم شيئا إلى شئ بخشبه حيث لا شعور للخشبة بالانضمام الذي هو عملها بل الحكم ادراك التركيب والانضمام الحقيقي فإنه تصديق والتصديق قسم من العلم ولذا يقال إنه ادراك ان النسبة واقعه أو ليست بواقعه فهذا الحكم الجزئي أعني ادراك هذه الهيأة التركيبية من الحس المشترك وليس من العقل لأنه لا يدرك الجزئي ولا يحكم حكما جزئيا في مقامه العالي وان قلنا بدركه للجزئيات كما هو الحق فإنما هو في مقامه النازل أعني مقام الحواس والعقل النازل الحاكم حكما جزئيا هو الحس المشترك ولو أدرك الجزئيات المحسوسة في مقامه العالي فأية حاجه إلى اثبات الحواس س ره.
(2) أقول هذا ليس تركيبا حقيقيا واتحادا واقعيا بل هي وحده حقيقية فلا يحتاج إلى قوه على حدة بل المعنى بالحكم والاتحاد هنا ان زيدا مثلا رقيقه الانسان والانسان حقيقته فزيد مادي محدود والطبيعة المرسلة الانسانية مجرده فكيف يكون هو هي كما إذا كانا جزئيين أو كليين الا من باب سنخية الرقيقة مع الحقيقة فكما لا يحصل من مادي ومجرد نوع واحد طبيعي كما مر كذلك لا حاجه هنا إلى قوه واحده حقيقية بل يكفي القلب المعنوي لهذا ومن ثم يسمى الجوهر المدرك للكليات والجزئيات في اصطلاحات العرفاء بالقلب س ره.
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست