فان قلت إذا كانت النفس مدركه للمحسوسات بالحقيقة فتكون قوه حساسة، وإذا كانت مدركه بالحقيقة للصور الخيالية كانت قوه خيالية وإذا كانت مدركه للموهومات كانت واهمة فتكون ذات واحده عقلا ووهما وخيالا وحسا وطبعا ومحركا ويكون جوهرا واحدا مجردا وماديا.
قلنا النفس بالحقيقة موصوفه بهذه الأمور ومباديها إذ لها درجات وجودية على ترتيب الأشرف فالأشرف وكانت لها حركه في الاستكمال الجوهري وكلما وصلت إلى مرتبه كمالية جوهرية كانت حيطتها أكثر وشمولها على المرتبة السابقة أتم فاذن النوع الأخصر الأتم يوجد له النوع الأنقص فكما ان نوع الحيوان وطبيعته تمام لنوعية النبات وطبيعته والنبات تمام الطبيعة المركب المعدني وطبيعة المعدن تمام لطبيعة الجسم فكذا طبيعة الانسان أعني ذاته ونفسه تمام لجميع ما سبق من الأنواع الحيوانية والنباتية والعنصرية وتمام الشئ هو ذلك الشئ مع ما يزيد عليه فالانسان بالحقيقة كل هذه الأشياء النوعية وصورته صوره الكل منها.
فان قلت فعلى ما ذكرت لا حاجه إلى اثبات هذه القوى بل ينسد طريق اثباتها.
قلنا هذا بعينه كمسألة التوحيد في الافعال فان قول الحكماء بترتيب الوجود والصدور لا تدفع قول المحققين منهم ان المؤثر في الجميع هو الله تعالى بالحقيقة فهكذا هاهنا (1) فان النفس لكونها مع وحدتها ذات شؤون كثيره متفاوتة لا بد للحكيم من تعرف شؤونها وحفظ مراتبها لئلا يلزم اسناد فعل إلى غير فاعلها من طريق الجهالة فان من نسب حس الانسان أو شهوته إلى جوهر عقله من غير توسط امر آخر فقد جهل بالعقل وظلم في حقه إذ العقل اجل من أن يكون شهوة وكذا من نسب دفع الفضلات بالبول والبراز إلى القوة العاقلة فقد عظم الإساءة له في باب التحريك فان تحريكاته ليست على سبيل المباشرة بل على سبيل التشوق إليه شوقا وعشقا عقليا حكميا وكذلك الامر فيما زعمه الجمهور من أهل الكلام من نسبه الشرور والأفاعيل الخسيسة إلى الباري