كمال (1) علتها وسببها والسبب الكامل يلزم المسبب معها فالنفس موجودة مع سببها لان سببها كامل الذات تام الإفادة وما هو كذلك لا ينفك عنه مسببه لكن تصرفها في البدن موقوف على استعداد مخصوص وشروط معينه ومعلوم ان النفس حادثه عند تمام استعداد البدن وباقيه بعد البدن إذا استكملت وليس ذلك الا لان سببها يبقى أبد الدهر فإذا حصل لك علم يقيني بوجود سببها قبل البدن وعلمت معنى السببية والمسببية وان السبب (2) الذاتي هو تمام المسبب وغايته حصل لك علم بكونها موجودة قبل البدن بحسب كمال وجودها وغنائها والذي يتوقف على البدن هو بعض نشأتها ويكون استعداد البدن شرطا لوجود هذه النشأة الدنية والطبيعة الكونية وهي جهة فقرها وحاجتها وامكانها ونقصها لا جهة وجوبها وغنائها وتمامها ولو كان البدن شرطا لكمال هويتها وتمام وجودها كما في (3) سائر الحيوانات والنباتات كان زوال البدن موجبا لزوالها كما يلزم ان ينعدم بعدم الاله وفساد المزاج البدني تصرف الصانع وعمله المحتاج إلى الاله كسائر القوى المادية الداثرة الفاسدة المتجددة الزائلة والبرهان قائم على أن للنفس قوه عقلية تتصرف في العقليات بذاتها لا باستعمال آله وهي كمالها الذاتي وجهه غنائها عن البدن وسائر الأجسام فهي بكمالها السببي خارجه عن عالم الأكوان المتجددة.
فالحق ان النفس الانسانية جسمانية الحدوث والتصرف روحانية البقاء والتعقل، فتصرفها في الأجسام جسماني وتعقلها لذاتها وذات جاعلها روحاني واما العقول المفارقة فهي روحانية الذات والفعل جميعا والطبائع جسمانية الذات والفعل جميعا فلكل من تلك الجواهر مقام معلوم بخلاف النفس الانسانية ولهذا حكمنا بتطورها في الأطوار إذ ليس تصرفها في البدن كتصرف المفارقات في الأجسام لأنها بذاتها مباشره للتحريك