وكذا ما نقل عن بعض المشرقيين الفارسيين ان الظلمة حاصرت النور وحبسته مده ثم أمددته وأيدته الملائكة فاستظهر على اهرمن الذي هو الظلمة فقهر الظلمة الا انه أمهلها إلى اجل مضروب وان الظلمة حصلت من النور لفكرة رديه فهذا الحديث أيضا كان عن النفس فإنها جوهره نورانية من جهة كونها عقلا بالفعل كما برهن عليه، والظلمة هي القوة الحيوانية والطبيعية وانحصارها تسلط القوى عليها وانجذابها إلى العالم السفلى وامداد الملائكة مصادفة توفيق القدر بهداية النفس لاشراق عقلي وخروجها إلى الفعل والامهال إلى اجل مضروب بقاء القوى إلى حين الموت أو قطع العلاقة والفكرة الردية التفات النفس إلى الأمور المادية.
ومن الاحتجاجات على بطلان تقدم الأرواح الإنسية على أبدانها قول صاحب حكمه الاشراق والتلويحات في كتابه المذكور ان الأنوار المدبرة ان كانت قبل البدن فنقول إن كان منها ما لا يتصرف أصلا أي في بدن فليس بمدبر ووجوده معطل وان لم يكن منها ما لا يتصرف كان ضروريا وقوع وقت وقع فيه الكل وما بقي نور مدبر.
أقول قد ذكرت في الحواشي ايرادا عليه ان لنا ان نختار الشق الأول ونقول:
ان الوجود المفارقي للنفوس غير الوجود التعلقي لها ومن ذهب من الأقدمين إلى أن للنفوس وجودا في عالم العقل قبل الأبدان لم يرد به ان النفس بما هي نفس لها وجود عقلي بل مراده ان لها نحوا آخر من الوجود غير وجودها الذي لها من حيث هي نفس مدبره فعلى هذا لا يلزم من كونها غير متصرفة في الأبدان تعطيل وانما يلزم التعطيل لو لم يكن النفس بما هي نفس متصرفة في البدن وحينئذ يقع وجودها ضائعا معطلا ولا يلزم التعطيل لو لم يكن وجودها العقلي غير متصرفة في جسم بل هي بما هي عقل لا اشتغال لها بالجسم أصلا وهي بما هي نفس لا تنفك عن تدبير ومباشرة أصلا.
ولنا أيضا ان نختار الشق الأخير فان حقية هذا الشق لا يوجب ان يجئ وقت وقع فيه الكل وما بقي وجود نفس مدبره في العالم كما ذكره وذلك لأنه ان أراد بالوقت فقوله وقت وقع فيه الكل وقتا محدودا معينا ومن لفظه الكل الجميع فذلك غير