لأنها كالواسطة والخليفة في فيضان تلك الأمور من المبادئ ولا بد للواسطة ان ينوب مناب المبدء الأصل في أن يتضمن ما يصدر عنه على وجه أعلى وأشرف واعلم انا لم نذهب إلى أن الأول تعالى ولا العقول الفعالة محل لارتسام صور المعقولات بل ذهبنا إلى أن كل عاقل بالفعل يتحد (1) بالمعقولات كما ذهب إليه بعض القدماء وبينا ذلك على وجه الاحكام والاتقان بما لم يبق فيه مجال ريب وشبهه فثبت من ذلك أن كل قوه عاليه توجد فيها جميع ما هو دونها على وجه أعلى وابسط والحكماء مع اتفاقهم على أن مبدع الكل ذات واحده بسيطه غاية الوحدة والبساطة ومع بساطته على هذا الوجه الأكيد الشديد هو خالق الأبدان والأعضاء الحيوانية وان شئت فارجع إلى ما ذكروه في باب عنايته تعالى بالأشياء والى كتاب منافع الأعضاء لجالينوس والى كتاب بقراط وأفلاطون وسائر كتب التشريح حتى تعلم أنهم متفقون على أن فاعل الأبدان والأعضاء هو الله سبحانه ولا ينافي ذلك اثباتهم الوسائط العقلية والقوى النفسانية والآلات الطبيعية على حسب جريان قضاء الله وقدره إذ ليس من دأب الحكيم مباشره الكنس ودفع الفضولات ومزاولة المزابل بل فعله الخاص هو الحكم والامر والهداية والقضاء والانزال والارسال دون الحركات والانفعالات ومن عزل الوسائط عن أفاعيلها فما قدر حق قدر عظمه الله كما قال تعالى وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شئ الآية.
زيادة تنوير وتصوير واعلم أن الصور الجزئية الجسمانية حقائق كليه موجودة في عالم امر الله وقضائه كما قال الله تعالى وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالخزائن هي الحقائق الكلية العقلية ولكل منها رقائق جزئيه موجودة بأسباب جزئيه قدرية من مادة مخصوصة ووضع مخصوص وزمان وأين كذلك فالحقائق الكلية موجودة عند الله بالأصالة وهذه