فصل (2) في فعل الهاضمة في الفضلة المندفعة والإشارة إلى وجود الدافعة والتنبيه على تغاير هذه الأربع وتعيين آلاتها من الأعضاء اما فعل الهاضمة فاعلم أن الغذاء مركب من جوهرين أحدهما صالح لان يتشبه بالمتغذي والثاني غير صالح لذلك فلها في كل منهما فعل خاص اما فعلها في الأول فما مضى واما في الثاني فلا يخلو ان تلك الأجزاء اما غليظه أو رقيقه أو لزجه وفعل الهاضمة في الأول الترقيق وفي الثاني التغليظ وفي الثالث التقطيع لا يقال كلما كان الجسم ارق كان أسهل اندفاعا فلما ذا جعلتم التغليظ أحد الأمور المسهلة للدفع لأنا نقول إن الرقيق قد يتشربه جرم المعدة فيبقى تلك الأجزاء المتشربة فيه ولا يندفع وأما إذا غلظت لم يتشربها العضو فلا جرم يندفع بالكلية.
واما الدافعة فيدل على ثبوتها أمران خاصي (1) وعامي.
الأول انك ترى المعدة عند القئ كأنها تنتزع من موضعها إلى فوق حتى يتحرك منها أكثر الأحشاء وترى عند التبرز مثل ما ذكرناه ومعونة الأحشاء على دفع ما فيها سيما عند الزحير حتى أنه قد ينخلع المعاء المستقيم عن موضعه لقوه حركه الدافعة.
والثاني ان الدم يرد على سائر الأعضاء مخلوطا بالأخلاط الثلاثة فيأخذ كل عضو ما يلائمه فلو لم يدفع ما ينافيه لبقى المنافى عنده ولم يخلص شئ من الأعضاء عن الأخلاط الفاسدة الممرضة واللازم باطل فثبت وجود القوة الدافعة فإذا ثبت وجود هذه الأفاعيل الأربعة في البدن أعني الجذب والامساك والإحالة والدفع فليس لقائل ان ينسب تلك الأمور إلى قوه واحده بالذات متغايرة بالاعتبار بان يكون تلك القوة جاذبه عند ازدراد الطعام وماسكة له بعد الازدراد ومغيرة له عند الامساك ودافعه للفضل المستغنى عنه لا لما قيل إن الواحد لا يصدر عنه الا الواحد فإنه لا يجرى في غير الواحد من جميع الوجوه بل لأن هذه الأفاعيل أمور متخالفة اما متضادة كالجذب