جل ذكره من غير توسيط الجهات والقوى العالية والسافلة وهذا من سوء الأدب منهم في حق الباري من حيث لا يشعرون ومعرفة النفس ذاتا وفعلا مرقاه لمعرفة الرب ذاتا وفعلا فمن عرف النفس انها الجوهر العاقل المتوهم المتخيل الحساس المتحرك الشام الذائق اللامس النامي أمكنه ان يرتقى إلى معرفه ان لا مؤثر في الوجود الا الله.
البرهان الثاني من ناحية العالم انك لا تشك في انك تبصر الأشياء وتسمع الأصوات وتدرك المعقولات ولا تشك انك واحد بالعدد فإن كان المدرك للمعقولات غير المدرك للمحسوسات فجوهر ذاتك الذي هو أنت عند التحقيق لم تدركهما جميعا إذ لو أدركهما لكان المدرك لهما ذاتا واحده وهو المطلوب والا فكنت أنت ذاتين اثنتين لا ذاتا واحده وكذا الكلام في الشهوة والغضب فإنك لا تشك انك المشتهى للنكاح أو شئ آخر وانك المغضب لعدوك.
فان قلت القوة الباصرة التي في العين آله في العين تدرك المبصر ثم يؤدى ما أدركته إلى العلاقة التي بيني وبينها فيحصل لي الشعور بالشئ الذي أدركته القوة الباصرة.
قلنا نعد التأدية إليك هل تدرك أنت الشئ المبصر كما أدركته الاله أم لا فان قلت نعم فادراكك غير وادراكك الاله غير فهب ان ادراكك يتوقف على ادراك آلتك الا انك انما تكون مدركا لأجل انه حصل لك الادراك لا لأجل انه حصل لآلتك الادراك.
فان قلت انا لا أدرك بعد التأدية فاذن ما أبصرت وما سمعت وما وجدت من نفسك ألمك ولذتك وجوعك وعطشك بل علمت أن العين التي هي آلتك أو القوة الباصرة قد أدركت وأبصرت شيئا وهذا العلم غير وحقيقة الرؤية والابصار غير فالعلم بان العين يبصر والسمع يسمع والرجل يمشى واليد يبطش ليس ابصارا ولا سماعا ولا مشيا ولا بطشا كما أن العلم بان غيرنا جائع أو متألم أو ملتذ ليس وجدانا للجوع والألم واللذة لكن العقلاء ببداهة عقولهم يعلمون انهم يسمعون ويبصرون ويتألمون ويلتذون ويبطشون ويمشون فان جاز انكار هذا العلم جاز انكار جميع المحسوسات والمشاهدات فعلم أن النفس بها قوه سمعنا وبصرنا وبطشنا ومشينا فبها نسمع وبها نبصر وبها نبطش.