واما أدله نفاه الانطباع فالحجة الأولى ما ذكره جالينوس وهو الذي عول عليه القوم ان الجسم لا ينطبع فيه من الاشكال الا ما يساويه فلو كان الابصار بالانطباع لاستحال منا ان نبصر الا مقدار نقطه للناظر لكنا نبصر نصف كره العالم.
واعترضوا على هذه الحجة بوجوه: أحدها ان الجسم الصغير مساو للكبير في قبول الانقسامات بغير نهاية فلم لا يجوز ان يقبل شكله؟.
وثانيها هب ان البصر لا ينطبع فيه الا ما يساويه لكن النفس بالمقايسة يعلم أن ما صورته هذا يكون مقداره بهذه النسبة كما في النقوش المصورة في الجدران وغيرها من الأشياء.
وثالثها المعارضة بالصورة المشاهدة في المرآة من نصف كره العالم فإذا جاز انطباع العظيم في الصغير في المرآة فليجز في البصر.
ورابعها المعارضة بالصور الخيالية فانا نتخيل بحرا من زيبق وجبلا من ياقوت وهذه الصورة لا محاله موجودة لتميزها وتعينها وتأثيرها في النفس وليس وجودها في الخارج فهي لا محاله في محل منا وكذا الصور التي يشاهدها الممرورون فإنهم قد يشاهدون صورا عظيمه هائلة فلا بد لها من محل فإن كان محلها أمرا جسمانيا من بدننا فحينئذ يكون الشئ العظيم منطبعا في المحل الصغير فليجز في الابصار مثله.
وإن كان المدرك لذلك النفس فهو غير صحيح.
اما أولا فلأنهم استدلوا على أن المدرك للجزئيات يستحيل ان يكون هو النفس.
واما ثانيا فلانه إذا عقل انطباع صور المتخيلات والمبصرات في النفس مع أن لا مقدار لها ولا حجم أصلا فلان يعقل انطباع الصور العظيمة في الحجم الصغير كان أقرب.
واما ثالثا فلانه إذا جاز انطباع تلك الصور في النفس فصح القول بالانطباع، وصار النزاع بعد ذلك في محل الانطباع نزاعا آخر.
والجواب اما الأول فهو ركيك جدا لان الجسم الصغير كونه موافقا للجسم