فيكون غير مادية ولكنها لا تكون عاقلة بل تكون كما في السكران والمصروع وانما تستكمل بأمور من خارج.
هذا ما نقله الفخر الرازي عن الشيخ وانى ما وجدت في كتبه هذه العبارة ولا يبعد أن تكون مذكورة في شئ منها وفيه مواضع أنظار حكمية.
الأول ان استفاده المادة المنوية قوه غاذية من نفس متعلقه ببدن آخر غير صحيح سيما (1) وكثيرا ما يوجد النطفة باقيه بعد فناء الأب والنفس ولا غيرها من القوى المتعلقة بالأجرام لا يفعل فعلا طبيعيا في غير بدنها ومادتها بل النطفة قد فاضت عليها من المبدء الفعال كمالات متعاقبة جوهرية أولها كالصورة المعدنية وهي الحافظة للتركيب والمفيدة للمزاج وثانيها الصور النباتية وبعدها الجوهر الحيواني وهكذا وقع الاشتداد في الوجود الصوري الجوهري إلى أن تجرد وارتفع عن المادة ذاتا ثم ادراكا وتدبيرا وفعلا وتأثيرا.
الثاني ان النفس الناطقة لو كانت بكمالها الذاتي الأولى موجودة في أول تكون القلب والدماغ لكانت ضائعة معطلة عن فعلها وكمالاتها اللائق اللازم لها من غير عائق خارجي مدة مديدة وهذا مما أقيم البرهان الحكمي على نفيه وليس ذلك كحال السكران والمصروع لان السكر والصرع من الأسباب والموانع الخارجة عن جبله النفس وكذا النوم المانع لظهور الكمالات الموجودة بالفعل في ذات النفس بل النفس انما تصير ناطقة بحركة جوهرية وقعت في زمان طويل.
الثالث ان في غير الطريقة التي اخترناها يلزم وجود الاله قبل مستعملها كالغاذية مثلا فإنها لا شك انها من قوى النفس الناطقة فيما له تلك النفس فإذا كانت موجودة قبل وجود النفس يلزم ما ذكرناه من المحذور واما على طريقتنا فالجوهر النفساني يتدرج في الاستكمال ويستلزم ويتضمن من القوى والفروع ما كان يستلزمه