فهو في هذه المرتبة انسان نفساني بالفعل وانسان ملكي أو شيطاني بالقوة يحشر في القيامة اما مع حزب الملائكة واما مع حزب الشياطين وجنودهم فان ساعده التوفيق وسلك مسلك الحق وصراط التوحيد وكمل عقله بالعلم وطهر عقله بالتجرد عن الأجسام يصير ملكا بالفعل من ملائكة الله الذين هم في صفه العالمين المقربين وان ضل عن سواء السبيل وسلك مسلك الضلال والجهال يصير من جمله الشياطين أو يحشر في زمره البهائم والحشرات فصل (11) في طور آخر من تعديد القوى الانسانية على منهج أهل البصيرة قال بعض أهل العرفان إشارة إلى معنى قوله تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو ان لله تعالى في القلوب والأرواح وغيرهما من العوالم جنودا مجندة لا يعرف حقيقتها وتفصيل عددها الا هو ونحن الان نشير إلى بعض جنود القلب يعنى النفس الناطقة وهو الذي يتعلق بغرضنا وله جندان جند يرى بالابصار وهي الأعضاء والجوارح، وجند لا يرى الا بالبصائر وهي القوى والحواس وجميعها خادمه للقلب ومسخرة له، وهو المتصرف فيها وقد خلقت مجبولة على طاعة القلب لا يستطيع له خلافا ولا عليه تمردا، فإذا امر العين للانفتاح انفتحت وإذا امر الرجل للحركة تحركت وإذا امر اللسان بالكلام وجزم الحكم به تكلم وكذا سائر الأعضاء وتسخر الأعضاء والحواس للقلب يشبه من وجه تسخر الملائكة لله تعالى فإنهم جبلوا على الطاعة لا يستطيعون له خلافا ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وانما افتقر القلب إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد لسفره الذي لأجله خلق وهذا السفر إلى الله وقطع المنازل إلى لقائه فلأجله جبلت القلوب قال تعالى وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون وانما مركبه البدن وزاده العلم وانما الأسباب الموصلة التي توصله إلى الزاد وتمكنه من التزود والعمل الصالح فافتقر أولا إلى تعهد البدن وحفظه من الآفات بان يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء وغيره وبان يدفع عنه ما ينافيه ويهلكه
(١٣٧)