ومنها ان البهائم تدرك هوياتها الادراكية وكيف لا وهي تهرب عن المؤلم وتطلب اللذيذ وليس هربها عن مطلق الألم اما أولا فلان المشهور انها لا تدرك الكليات ولو أدركتها لكان ما نحن بصدده الزم واما ثانيا فلأنها لا تهرب عن ألم غيرها مع أن ذلك أيضا ألم فهي اذن تهرب عن المها فهو يقتضى علمها بأنفسها وذلك يقتضى تجردها بوجهين.
أحدهما ان العلم يقتضى ثبوت الشئ المدرك بالفتح للشئ المدرك بالكسر والصورة التي تحل المادة وجودها للمحل لا لنفسها وكل موجوده (1) لنفسه مجرد عن المحل فالمدرك لذاته مجرد عن المحل وثانيهما ان علم الحيوان بهويته دائم وليس بمكتسب بالحس وعلمه بأعضائه الظاهرة والباطنة ليس كذلك فهويته (2) مغايرة لأعضائه.
اما الصغرى فلان العلم بوجود النفس لو كان مكتسبا لكان اما (3) بالحس وهو باطل فان الحس لا يحس بنفسه فكيف بما هو آله لها ومستعملة إياها.
وأيضا (4) ربما يعلم ذاته عندما لا يحس بشئ أصلا واما بالفكر فلا بد من دليل، والدليل اما علة النفس أو معلولها والأول باطل لأن علة النفوس شئ اجل من أن يحيط به علم الحيوان وأيضا الأكثرون (5) من الناس يعرفون أنفسهم وان لم يخطر ببالهم