وهبطت إلى هذا العالم السفلى فإنها فعلت ذلك بنوع (1) استطاعتها وقوتها العالية ليتصور الآنية التي بعدها ولتدبرها وان هي أفلتت من هذا العالم بعد تصويرها وتدبيرها إياه وصارت إلى عالمها سريعا لم يضرها هبوطها إلى هذا العالم شئ بل انتفعت به وذلك انها استفادت من هذا العالم معرفه الشئ وعلمت ما طبيعته.
ومنه قوله في موضع آخر إذا فارقت النفس العقل وأبت ان يتصل به وأن يكون هي وهو واحدا اشتاقت (2) إلى أن تنفرد بنفسها وأن يكون والعقل اثنين ثم اطلعت إلى هذا العالم وألقت بصرها على شئ من الأشياء دون العقل استعادت الذكر حينئذ وصارت ذات ذكر فان ذكرت الأشياء التي هناك لم ينحط إلى هاهنا وان ذكرت إلى هذا العالم السفلى انحطت من ذلك العالم الشريف.
ومنه قوله في موضع آخر فان قال قائل ان كانت النفس تتوهم هذا العالم قبل ان ترده فلا يخلو انها تتوهمه أيضا بعد خروجها منه وورودها إلى العالم الاعلى فان كانت تتوهمه فإنها لا محاله تذكره وقد قلتم انها إذا كانت في العالم الاعلى لا (3) تتذكر شيئا من هذا العالم البتة.
قلنا: ان النفس وان كانت تتوهم هذا العالم قبل ان تصير فيه ولكنه تتوهمه بتوهم (4) عقلي.
ومما يدل أيضا من كلامه على أن النفس كان لها وجود في عالم العقل ووجود في عالم الطبيعة وان كلا من الوجودين غير الاخر قول هذا الفيلسوف في الميمر الثاني: