فيه بصدد الاستكمال ولو كان كذلك لوجب أن تكون القوى النباتية والحيوانية والنطقية متضادة وليست كذلك بل هي متفاوتة متفاضلة في الكمال الوجودي كل سابق منها متوجه إلى اللاحق توجه الشئ إلى كماله وتشبث الفعل إلى غايته وغاية الشئ علة تمامه لا علة بطلانه فلما بطلت الشقوق الثلاثة فثبت ان الجوهر الصوري مما يشتد في وجوده ويتكامل في تجوهر ذاته ويتطور في أطواره ويستوفى الدرجات الطبيعية والنباتية والحيوانية والبشرية إلى ما شاء الله تعالى وقد علمت من تضاعيف البيان فيما سبق ان الأفاعيل الذاتية متوجهه بالذات إلى ما هو خير وكمال ولا يتوجه شئ من الأشياء في سلوكه الطبيعي نحو شئ مناف له مضاد إياه الا بقسر قاسر أو قاطع طريق له من خارج بل الكشف والبرهان قد أوجبا ان الأشياء كلها طالبه للخير الأقصى والنور الاعلى جل مجده ولنعد إلى ما كنا فيه البرهان الثاني على مغايرة النفس للمزاج انه لا شك ان النبات والحيوان متحركان من تلقاء أنفسهما إلى كمالاتهما في الكم والكيف ولا محاله ان حركه تقع في أمزجتهما أيضا لان الأمزجة تابعه للممتزجات فالمزاج يبدل عند حركه والمحرك باق غير متبدل فالمزاج ليس هو ذلك المحرك وأيضا فلان البدن الذي يسوء مزاجه بمرض وشبهه قد يعود إلى المزاج الصحيح ولا بد له من معيد وليس هو المزاج الصحيح الذي قد بطل ولا المزاج الفاسد فاذن المحرك المعيد غير المزاج وليس خارجا عن جسم الحيوان لأنه لو كان مفارقا فهو لا يفعل الا بواسطة قوه جسمانية كما عرفت وان لم يكن مفارقا فهو لا يفعل الا بمشاركة الوضع (1) أو بالجسمية المشتركة وهما باطلان اما الثاني فظاهر كما مر واما الأول فلما (2) يعرف بأدنى تأمل من أنه ليس اغتذاء الحيوان ونموه وتوليده بقسر قاسر فيكون بقوة فيه وهو المطلوب.
(٣٨)