نارا أراد بها ما مر ذكره ومن جعلها هواءا فلعله أراد به الشوق والمحبة فان النفس عين المحبة ثم التعبير عن المبدء الأول بالعشق مما شاع في كلام العرفاء وللناس فيما يعشقون مذاهب.
ومن جعلها ماءا فأراد به عين ماء الحياة الذي به حياه كل شئ ذي نفس، كما قال تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي والنفس حياه الجسم كما أن العقل حياه النفس ولهذا عبر بعض الأوائل عن العقل الكل بالعنصر الأول وجعله ماءا وربما كان المراد بالعنصر الأول الوجود الفائض منه تعالى على الموجودات كلها على الترتيب.
ومن سماها أرضا فلكونها في ذاتها قابله للعلوم والصور الادراكية الفائضة عليها من سماء العقل فالنفس القابلة للصور العلمية ارض الحقائق في مرتبه كونها عقلا هيولانيا فيفاض عليها المعارف العلمية النازلة من سماوات العقول الفعالة كما تنزل الأمطار التي بها يحيى الأرض بعد موتها وقد ورد في الحديث (ان القلوب يحيى بالعلم كما يحيى الأرض بوابل السماء).
ومن رأى أن المبادئ هي الاعداد وجعل النفس عددا أراد من العدد كما أراد أصحاب فيثاغورث وتأويل كلامهم (1) ان المبدء الأول واحد حقيقي وهو مبدء الأشياء كما أن الواحد العددي مبدء الاعداد لكن المبدئية والثانوية والثالثية والعشرية في هذه الاعداد الجسمانية الكمية ليست ذاتية لهذه الوحدات فكل ما صار أولا يمكن له ان يصير ثانيا والثاني منها يجوز ان يكون أولا بخلاف المبدء الأول تعالى فمبدئيته وأوليته عين ذاته وكذا ثانوية العقل الأول عين ذاته لا يتبدل وكذا مرتبه النفوس بعد مرتبه العقول فاطلاق العدد على المبادئ العقلية والنفسية من جهة ترتيبها في الوجود ترتيبا لا يمكن تبدله فالعددية فيها ذاتية وفي غيرها عرضية فهي الاعداد بالحقيقة