ففات عنهم الحق والخلق جميعا إذ الخلق طريق إلى الحق فمن أبطل الطريق وضل عن سواء السبيل فكيف وصل إلى الحق فلا جرم قد حشروا أعمى العينين مطلقا بعد ما كان لهم قوه البصر وامكان النظر إذ لم ينظروا في آيات الله وحكمته ولم يتفكروا في صنع الله وعنايته فيكون حالهم يوم القيمة كما حكى الله بقوله ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).
فصل (8) في الإشارة إلى تعديد القوى النفسانية وما دونها على سبيل التصنيف ومعنى التصنيف هاهنا ان هذه القوى لا يتميز بعضها عن بعض بفصول ذاتية كما في الأنواع النباتية والحيوانية بل امتيازها بعوارض انسانية من تقدم بعضها على بعض واستخدام بعضها قبل بعض وهذه القوى بمنزله اجزاء النفس الانسانية قبل ان صدرت وانبسطت عنها وانفصلت في اجزاء البدن كل قوه في موضع يليق بها فتنقسم النفس أولا إلى اجزاء ثلاثة هي نفوس ثلاثة في مواضع أخرى نفس نباتية موضعها الكبد ونفس حيوانية موضعها القلب (1) ونفس انسانية سلطانها في الدماغ.
وهذه النفوس متعاقبة في الحدوث والبقاء فالجزء النباتي يحدث أولا ثم الحيواني ثم الانساني والأولان ينعدمان بفساد المزاج وبطلان الاستعداد دون الجزء الانساني فإنه يبقى في النشأة الآخرة إذ ليس حدوثه بواسطة الاستعداد وتعديل المزاج بل هو امر رباني وسر سبحاني ونسبته إلى الحق نسبه الضوء إلى المضي ء بالذات، فالروح باق ببقاء الله كما ستعلم في مقامه.
والغرض هاهنا الإشارة إلى تقسيم القوى وترتيبها.