فإذا تقررت هذه المقدمة فنقول القوة العاقلة لما كانت هكذا لأنها تدرك (1) المعقولات القوية والضعيفة بعضها عقيب بعض فهي ليست جسمانية كسائر القوى البدنية التي شانها ما ذكرناه.
وهذا البرهان أيضا يدل على كون القوة الخيالية غير جسمانية فإنها تقوى على تخيل الأشياء العظيمة مع تخيلها للأشياء الحقيرة مثلا يمكنها ان يتخيل فلك الأفلاك مع الخردلة وان يتخيل ضوء الشمس وحرارة النار مع ضوء الشرارة وحرارة الهواء المعتدلة وان يتخيل صوت الرعد مع الهمس وهذا مما أشكل الامر على من لم يتفطن بتجرد الخيال عن المواد المستحيلة الكائنة الفاسدة فجعل يتكلف في دفع الاشكال عن نفسه بان قوه الادراك غير قوه المدرك فالشمس والقمر والسماء مدركات قويه ونحن إذا تخيلناها فادراكنا لها لا يلزم ان يكون قويا ولأجل ذلك لا يمنع ادراكنا لها عن ادراك المدركات الضعيفة وأما إذا قوى تخيلنا لها بحيث صرنا مستغرقين في ذلك التخيل امتنع علينا والحال هذه تخيل الشئ الحقير.
أقول الادراك لا يخلو اما ان يكون هو الصورة الحاصلة من الشئ أو الإضافة التي بين المدرك والمدرك كما هو مذهب هذا القائل فعلى الأول لا معنى لقوه الادراك وضعفه الا قوه المدرك وضعفه لأنهما امر واحد لان المدرك (2) في الحقيقة هو الصورة