الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٩ - الصفحة ٣٧٦
فان قال قائل انه يلزم مما ذكرت ان كل نفس لم تبلغ في وجودها إلى مقام العقل البسيط فهي هالكة بهلاك البدن ودثوره فعلى ما ذكرت لم يبق من النفوس بعد الأبدان الا نادرا قليلا في غاية الندرة.
فنقول ان للنفوس بعد هذه النشأة الطبيعية نشأتان أخريان إحداهما النشأة الحيوانية المتوسطة بين العقل والطبيعة والأخرى النشأة العقلية فالأولى للمتوسطين والناقصين والأخيرة للكاملين المقربين.
ايضاح وتأكيد قوله وعلى هذا لا يكون البدن شرطا لوجودها بل لتصرفها إلى آخره اعلم أن هذا كلام من يفرق بين التصرف الذاتي الطبيعي وبين التصرف الصناعي العرضي فوقع في هذا الاشكال الذي بيناه الاشتباه بين اخذ ما بالذات مكان ما بالعرض وذلك لان حقيقة النفس وماهيتها ليست كما تصورها من أن لها في نفسها لنفسها وجودا تاما وقد عرض لها بعد تمام وجودها التي يخصها ان تتصرف في جسم من الأجسام وتدبره وتحركه وتنميه وتكمله وتطعمه وتسقيه، كمن تصرف في بناء أو غرس شجره يقوم بتكميله وتعميره بادخال أجسام أخرى كالتراب والماء إليه حتى يبلغ إلى كماله فيكمله ويستكمل هو أيضا تكميلا واستكمالا عرضيين خارجيين عن هويه ذاته هيهات ان النفس ما دامت هي نفسا لها وجود ذاتي تعلقي هي مفتقرة في هذا الوجود الذاتي إلى البدن متقومة بحسب بعض قواها الحسية والطبيعية به متعلقه به ضربا من التعلق.
وبالجملة تصرف النفس في البدن تصرف ذاتي وهو نحو موجودية النفس كما أن تكميل الصورة للمادة تعلق ذاتي لها وهو نحو وجودها وكما أن حلول العرض كالبياض في الجسم هو نحو وجوده ولا يلزم (1) من ذلك أن يكون النفس ولا الصورة

(1) لما سبق ان الإضافة معتبره في وجودها لا في ماهيتها حتى تصير مضافة ومعظم الامر ان لا يفهم من التعلق والتصرف ونحوهما معانيها المصدرية وحقائقها اللغوية والعرفية العامة بل حقائقها العرفية الخاصة كان يفهم من التعلق نفس مقام الطبع من النفس وهذا كما اصطلحنا ان نقول الربط والفقر والإضافة الاشراقية ونريد بها الوجودات الحقيقة من حيث إنها متعلقات بذرى الحق تعالى متدليات بعرشه لا معانيها المصدرية والإضافية س ره.
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»
الفهرست