أقول وعندنا كما مر ان المحسوس (1) هو الصوت القائم بالهواء المنضغط بين القارع والمقروع فقط بدلالة انا إذا سمعنا الصوت أدركنا مع ذلك جهته وقربه وبعده ومعلوم ان الجهة لا يبقى اثرها في التموج عند بلوغه إلى التجويف فكان يجب ان لا يدرك من الأصوات جهاتها وقربها وبعدها لأنها من حيث أتت دخلت بحركتها تجويف الصماخ فيدركها القوة هناك ولا تميز بين القريب والبعيد كما أن اليد تدرك ملمسها ما تلقاه ولا تشعر به من جهة اللمس الا حيث ملمسها ولا فرق بين وروده من أبعد بعد وأقرب قرب لان اليد لا تدرك الملموس من حيث ابتدأ أولا في المسافة بل من حيث انتهى ولما كان التميز بين الجهات والقرب والبعد من الأصوات حاصلا علمنا انا ندرك الأصوات الخارجة حيث هي.
وليس لك ان تقول انما يدرك الجهة لان الهواء القارع انما توجه من تلك الجهة وانما يدرك البعيد والقريب لان الأثر الحادث عن القرع القريب أقوى وعن البعيد أضعف؟.
لأنا نقول اما الأول فباطل لان الصوت قد يكون على اليمين من السامع، ويسمع بالاذن الأيسر للانسداد في اذنه الذي يليه ومع ذلك يحصل الشعور بكون الصوت على اليمين ولا يصل التمويج إلى الاذن الأيسر الا بعد أن ينعطف عن اليمين فليس هاهنا ادراك الجهة التي جاء منها الصوت بل الجهة التي وقع القرع فيها.
واما الثاني فهو أيضا باطل والا لكنا لم نفرق البعيد القوى من القريب الضعيف، ولكنا إذا سمعنا صوتين متساوي البعد مختلفين بالقوة والضعف وجب ان يظن أن أحدهما قريب والاخر بعيد ويشتبه علينا دائما القوة والضعف بالقرب والبعد وليس الامر كذلك.
واعلم أن جمهور القوم لما لم يذهبوا إلى ما اخترناه حسب ما أوضحنا سبيله استصعب عليهم الامر في تعيين السبب في تحقق الشعور بجهة الصوت فقال بعضهم كصاحب المعتبر انا قد علمنا أن هذا الادراك انما يحصل أولا بقرع الهواء المتموج