ولهم في هذا المسلك وجه آخر وهو ان نفرض الكلام في الأمور التي يستحيل عليها القسمة عقلا مثل الباري سبحانه والوحدة وأيضا مثل البسائط التي يتألف منها المركبات فان الحقائق إذا كانت مركبه فلا بد فيها من البسائط ضرورة ان كل كثره فالواحد فيها موجود وحينئذ يقال العلم المتعلق بها ان انقسم فاما ان يكون كل واحد من اجزائه علما أو لا يكون فإن لم يكن اجزاؤه علوما لم يكن العلم هو مجموع تلك الأجزاء بل الهيأة الحاصلة عند اجتماع تلك الأجزاء فكلامنا في تلك الهيأة وهو انها لو انقسمت لكان لها أجزاءا فإن كان اجزاء العلم علوما فلها متعلق فلا يخلو اما ان يكون متعلق كل واحد من تلك الأجزاء كل ذلك المعلوم أو اجزائه فإن كان كله لزم ان يكون جزء الشئ مساويا لكله من جميع الوجوه وذلك محال وإن كان بعض ذلك المعلوم فقد بينا ان هذه الحقائق لا بعض لها ولا جزء قالوا هذا الوجه أحسن الوجوه المذكورة.
أقول لا نسلم ان كل واحده من النفوس البشرية أمكنها ان يتصور حقيقة هذه البسائط وأكثر الناس انما يرتسم في أذهانهم إذا حاولوا ادراك هذه الأمور أشباح خيالية وحكايات متقدرة وانى لهم معرفه الباري جل ذكره والجواهر البسيطة العقلية نعم الحجة المذكورة أصح البراهين على تجرد النفوس العارفة بالله والصور المفارقة وتلك النفوس قليله العدد جدا واما سائر النفوس فهي مجرده عن الأجسام الطبيعية لا عن الصور الخيالية.
واما اعتراضات بعض المتأخرين على هذه الحجة فهي مدفوعة.
منها ان النقطة حلت من الجسم شيئا منقسما أو غير منقسم فعلى الأول لزم حلول غير منقسم في منقسم وعلى الثاني يلزم الجزء الذي لا يتجزى.
ومنها النقض بالوحدة فإنها مع كونها من أبعد الأشياء من طباع الكثرة حاله في الجسم.
ومنها النقض بالإضافة فان الأبوة مع أنها غير قابله للانقسام حاله في الأب.
ومنها ان القوة الوهمية قوه جسمانية والعداوة التي تدركها امر غير منقسم لامتناع ورود القسمة على هذه العداوة إذ لا نصف لها ولا ربع وكذا الصداقة وغيرها.