مدرك الحس أمرا كليا كما برهن عليه مع أن المدرك للسمع هو الصوت الموجود في الجهة المخصوصة هذا خلف وهذا انما يلزم على تقدير ان يكون ادراك الجهة غير ادراك الصوت فيها وان ادراكها قد حصل بتتبع التموجات الهوائية كما ذكروا واما على الوجه الذي حققناه فلم يلزم محذور لان المدرك للسمع هو الصوت المعين الواقع في جهة معينه وفي موضع مخصوص فان وجود الامر المادي لا ينفك عن الوضع والجهة وليس ان وجوده شئ وكونه في جهة أو على وضع شئ آخر أو المسمى بالعوارض المشخصة في الحقيقة ليست من عوارض الشخص وانما عروضها بالقياس إلى مرتبه ماهية ذلك الشخص كما مر فكل مدرك بادراك حسي انما يدرك وجوده في جهة معينه وعلى وضع معين لا ان الحواس يدرك وجوده فقط أو يدرك وجوده ويدرك معه بادراك آخر جهته وبادراك آخر قربه وبعده لان هذا شان العقل وليس شان الحس الا ادراك امر ذي جهة في وضع لما علمت أن وجود المحسوس وكونه في جهة وعلى وضع شئ واحد بالشخص متعدد في ظرف التحليل العقلي فكما ان المحسوس شئ واحد فكذلك الادراك الحسى المتعلق به ادراك واحد هو بعينه ادراك بوجوده وادراك بأنه في جهة كذا.
وادراك بأنه في موضع كذا. البحث الثالث مما يناسب طريقتنا في السمع ان وجود الهواء بين السامع وذي الصوت شرط لتحقق الاتصال بينهما مع عدم حاجز كثيف لا لأجل ان يحمل الهواء كيفية الصوت ويتأدى بها إلى السمع ان القدماء اكتفوا في سماع الفلكيات تماس الأفلاك بعضها بعضا كما نسب إلى أساطين الحكمة كأفلاطون ومن قبله انهم يثبتون للأفلاك أصواتا عجيبة ونغمات غريبه تتحير من سماعها العقل ويتعجب منها النفس وحكى عن فيثاغورث انه عرج بنفسه إلى العالم العلوي فسمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات الأفلاك وأصوات حركات الكواكب ثم رجع إلى استعمال القوى