الغاذية ثم يوجد فيها بعد طي المراتب النباتية من جهة المبادئ القوى الحيوانية على التدريج ثم النفسانية فالقياس يقتضى ان يكون المضغة التي فيها قوه التغذية والتنمية يتكون منها الكبد أولا لأنه عندهم مبدء القوى النباتية والذي يتكون بعده هو القلب لأنه معدن القوى الحيوانية والذي يتكون بعدهما من الأعضاء هو الدماغ لأنه منبع قوى الادراكات التي غاية القوتين الأوليين.
هذا إذا نظرنا إلى الترتب الزماني الطبيعي بحسب الاعداد من طريق استكمالات المواد وهي من الأدنى إلى الاعلى ومن الأخس إلى الأشرف.
وأما إذا نظرنا إلى الترتب العلى والمعلولي والتقدم بالشرف والوجود فالمقدم هو الدماغ كما قاله البقراط ثم القلب ثم الكبد ثم سائر الأعضاء بل المقدم هي الأرواح التي في الثلاثة النفسانية أولا ثم الحيوانية ثم الطبيعية ثم الأعصاب ثم الأوردة والشرائين ثم العضلات والرباطات ثم سائر الأعضاء البسيطة ثم المركبة ومن علم تقدم القوى الآلية على النفوس المستعملة إياها في الزمان وتقدم النفوس على قواها بالذات سيما الناطقة المتقدمة على الكل بالذات وتأخرها عن الكل بالزمان لا على وجه الدور المستحيل لان القوة المتقدمة على النفس بالزمان المعدة إياها غير القوة الفائضة منها بالعدد وعينها بالحقيقة لا يتعجب عن تقدم بعض الأعضاء كالكبد بالزمان على بعض متأخر عنه بالطبع كالدماغ.
واستدل على تقدم القلب بأنه لا شك ان في المنى روحا كثيره وفيه الحر والخثورة بما فيه من كثره الهواء الحارة ولذلك يشتد بياضه وإذا ضربه البرد الذي هو أولى بالتجميد والتكثيف يزول خثورته وبياضه ويصير رقيقا وإذا كان كذلك فوجب ان يكون أول متكون منه هو الذي أسهل والحاجة إليه أمس ولا شك ان الروح أسهل تكونا من العضو فان انقلاب الاجزاء الهوائية الموجودة في المني المنقذف إلى الرحم إلى الروح أسهل من صيرورتها عضوا والحاجة إلى تكون الروح لانبعاث القوة المصورة واشتدادها أمس من الحاجة إلى العضو فثبت أن تكون الروح قبل تكون العضو ثم لا بد ان يكون لذلك الروح مجمع حاصر لأنه يمتنع ان يهمل الطبيعة امر