لانتفاء ما تقوم به ويحصل الموت فسبب الموت بعينه سبب الحياة وذلك لأنه لو لم - تكن الحرارة غالبه على الرطوبة لم تحصل الحياة ثم لزم من غلبه الحرارة على الرطوبة فناء الرطوبة ومن فناء الرطوبة فناء الحرارة وكان تقدير الله سبحانه الحرارة بحيث يستولي على الرطوبة سببا للحياة أولا وللموت ثانيا هذا ما نقل عنه في شرح القانون وقد مر ما فيه فتأمل فإنه موضع تأمل فإنه بعد الاستقصاء يعرف صحته لارجاعه إلى ما سنحققه الوجه الثالث ما وجدناه في كلام المحققين وهو ان السبب الموجب للموت في جميع الحيوانات هو ان البدل الذي تورده الغاذية وإن كان كافيا في قيامه بدلا عن ما يتحلل وفاضلا على الكفاية بحسب الكمية لكن غير كاف بحسب الكيفية.
وبيان ذلك أن الرطوبة الغريزية والأصلية انما تخمرت ونضجت في أوعية الغذاء أولا ثم في أوعية المنى ثانيا ثم في الأرحام ثالثا والتي توردها الغاذية لم تتخمر ولم تنضج الا في الأولى دون الأخريين فلم يكمل امتزاجها ولم تصل إلى مرتبه المبدل عنها فلم تقم مقامها كما يجب بل صارت قوتها انقص من قوه الأولى كمن انقص زيت سراج وأورد بدله ماءا فما دامت الكيفية الأولى الأصلية غالبه في الممتزج على الثانية المكتسبة كانت الحرارة الغريزية آخذه في زيادة الاشتعال مورده على الممتزج أكثر مما يتحلل فينموا الممتزج ثم إذا صارت مكسورة السورة بظهور الكيفية الثانية وقفت الحرارة الغريزية وما قدرت على أن تورد أكثر مما يتحلل وإذا غلبت الثانية انحط الممتزج وضعفت الحرارة إلى أن لا تبقى اثر صالح للكيفية الأولى فيقع الموت ضرورة وظهر من ذلك أن الرطوبة الغريزية الأصلية من أول تكونها آخذه في النقصان بحسب الكيفية وذلك هو السبب الموجب لفساد الممتزج ويعلم منه ان الغاذية لو كانت غير متناهية وكانت دائمه الايراد لبدل ما يتحلل على السواء لا بمقدار واحد بل بمقدار ما يتحلل لما كان البدل تقاوم المبدل من حيث الكيف وان قاومه من حيث الكم.