ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا بعدم صحة العمل بمرسلات الصدوق فإن هذا لا يخدش في مضمون الرواية بعد اعتضادها بالأحاديث الصحيحة والقرائن الخارجية، فقد روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بسند صحيح، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله عليه السلام: (كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة، فأنكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرائيل من شجرة طوبى، وناولني من ثمارها، فأكلت فحول الله ذلك ماء في ظهري، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها) (1).
وروى الشيخ الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال:
حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد، قال: حدثنا الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (خلق الله نور فاطمة عليها السلام قبل أن تخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة حوراء إنسية، قال: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم. قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش، قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟ قال: التسبيح، والتهليل، والتحميد. فلما خلق الله عز وجل آدم وأخرجني من صلبه أحب الله عز وجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرائيل عليه السلام فقال لي:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد، قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرائيل. فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام. قلت: منه السلام وإليه يعود السلام. قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل إليك من الجنة فأخذتها وضممتها إلى صدري. قال: يا محمد يقول الله جل جلاله: كلها. ففلقتها فرأيت نورا ساطعا ففزعت منه فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإن ذلك النور المنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة، قلت: حبيبي جبرائيل، ولم سميت في السماء (المنصورة) وفي الأرض (فاطمة)؟ قال: سميت في الأرض (فاطمة) لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبها، وهي في السماء (المنصورة) وذلك قول الله عز وجل: (يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) (2)، يعني نصر فاطمة لمحبيها (3).