وهذا يقوي احتمال كون الجفر وعاء لجميع تلك الأمور، وقد ذكر المجلسي هذا الاحتمال عند التعليق على الحديث الخامس حيث قال: (لعل الجلد وعاء الكتب لا أنها مكتوبة فيه) (1)، بل إن الرواية الواردة في الكافي تدل على هذا المعنى، فعندما سأل أبو بصير الامام الصادق عليه السلام عن الجفر قال عليه السلام: (وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل) (2)، والحديث صحيح سندا، ويؤيده ما رواه الصفار عن الامام الصادق عليه السلام: (هما - أي الجفر الأحمر والأبيض - إهابان إهاب ماعز وإهاب ضأن مملوان علما كتبا) (3). وما رواه الصفار أيضا عن الامام الصادق عليه السلام: (إنهما جفران مكتوب فيهما، لا والله إنهما لإهابان عليهما أصوافهما وأشعارهما مدحوسين كتبا في أحدهما، وفي الاخر سلاح رسول الله) (4).
وعلى كل حال، فلو افترضنا أن الوصية هي من ضمن مصحف فاطمة، فلعل المقصود منها حينئذ ما ذكره العلامة المجلسي في مرآة العقول عند تعليقه على عبارة (وليخرجوا مصحف فاطمة فإن فيه وصية فاطمة) الواردة في الحديث الرابع آنف الذكر، حيث قال ما يلي: (أي في أوقافها وأولادها أو وصية جبرائيل لفاطمة في أمر أولادها وما يقع عليهم) (5)، وبذلك يكون مطابقا لما في الروايات، وعلى أقل تقدير فإنه لا يوجد أي مؤشر يدل على أن وصية فاطمة عليها السلام مشتمل على نصائح أخلاقية.
من مزاعم (الهوامش): ومن هنا يعلم ما في ادعاء مؤلف (هوامش نقدية) من أن (بعض الروايات الصحيحة أشارت إلى أن من محتويات مصحف فاطمة وصيتها. وقد روي عن الباقر عليه السلام أنه أخرج سفطا أو حقا وأخرج منه كتابا فقرأ فيه وصية فاطمة عليها السلام، انظر بحار الأنوار: ج 43، ص 185. والتعبير عن المصحف الذي فيه وصية فاطمة ورد في هذه الرواية بالكتاب) (6). فإنه بما عرضناه من الروايات لم نجد رواية صحيحة تدل على احتواء مصحف فاطمة على وصيتها، والصحيح من الروايات كصحيحة سليمان بن خالد لا تدل بشكل صريح على ذلك وإن لا تخلو من إشعار، أما ما أرجع إليه في البحار والذي نقله عن كشف الغمة للأربلي مرويا عن الامام الباقر فغاية ما فيه أن وصية فاطمة مدون في كتاب أو صحيفة وليس فيها تحديد بأن الكتاب هو مصحف فاطمة. وقد روى الشيخ الكليني ثلاثة أسانيد صحيحة عن الامامين الباقر والصادق، وجاء في الحديث عنهما أن الامام أخرج كتابا أو صحيفة ثم قرأ منه وصية فاطمة (7).