منتف في هذه الصلاة حال الغيبة وإنما يبقى الجواز بالمعنى الأعم، والمراد منه استحبابها بمعنى كونها أفضل الفردين الواجبين تخييرا أعني الجمعة والظهر لا أنه ينوي الاستحباب لأن ذلك منتف عنها على كل حال باجماع المسلمين بل إما تجتمع شرائطها فتجب أو تنتفى فتسقط، وقد عرفت أيضا أن هذا الحكم وهو وجوبها تخييرا وإن كان أفضل الفردين لا دليل عليه إلا ما ادعوه من الاجماع ولم يدعه منهم صريحا سوى ما ظهر من عبارة التذكرة ودونها في الدلالة عبارة الشهيد في الذكرى، فإنه قال فيها: إذا عرفت ذلك فقد قال الفاضلان يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة ولا يسقط الاستحباب، وظاهرهما أنه لو أتى بها كانت واجبة مجزئة عن الظهر... إلى قوله ونقل الفاضل فيه الاجماع - وقد تقدمت العبارة المذكورة كملا - ثم قال: وفي هذه العبارة مع ما اشتملت عليه من المبالغة اشعار بعدم ظهور الاجماع عنده ومن ثم نسبه إلى الفاضل، وقد عرفت مما حكيناه من عبارات المتقدمين ما يقدح في الاجماع وعمل الطائفة معا، ولعله أشار بقوله: " وربما قيل بالوجوب المضيق " إلى ذلك. والظاهر أن عمل الطائفة لا يتم إلا في المتأخرين منهم أو من بعضهم لا من الطائفة مطلقا لما سمعت من كلام المتقدمين الذين هم عمدة فقهاء الطائفة. وما اقتصرت على من ذكرت لخصوصية قولهم في ذلك بل لعدم وقوفي على مصنفاتهم ولا على باقي مصنفات من ذكرت، وفي وجود ما نقلته في ما حضرني من ذلك دليل بين على أن ذلك من الأحكام المقررة عندهم المفروغ عنها لأن أحدا منهم لم نقل في ذلك خلافا فكيف يتم للمتأخرين الحكم بخلافه؟ ولا يخفى عليك أن مجرد عمل الطائفة على هذا الوجه لا يكون حجة ولا قريبا منها خصوصا مع دلالة الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة على خلاف ذلك فكيف مع انحصار القول في قليل منهم؟ والقدح في ذلك بمعلومية نسب المخالف مشترك الالزام إن لم يكن في جانب المخالف أرجح لما عرفت من أن القائل بالوجوب العيني أكثر من القائل بالتخييري مع اشتراكهما في الوصف (1).
(٤٢٦)