وهاتان الروايتان مما استدل به في المدارك للقول المذكور وهي غير واضحة الظهور، وذلك لأن غاية ما دلتا عليه هو كون وقت المغرب عبارة عن غيبوبة الشمس وغروبها وقد عرفت أن هذا مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف - كما قدمنا وبه اعترف في المدارك في صدر البحث - في ما به يتحقق الغروب من مجرد استتار القرص عن النظر مع عدم الحائل أو يتوقف على زوال الحمرة المشرقية وميلها إلى المغرب، وبذلك يظهر لك أنه لا دلالة للخبرين المذكورين على ما ادعاه وإن صح سندهما بل هما مجملان، وبذلك يظهر الجواب عن ما استدلوا به من رواية يزيد بن خليفة (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا لا يكذب علينا. قلت قال وقت المغرب إذا غاب القرص إلا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا جد به السير آخر المغرب ويجمع بينها وبين العشاء؟ فقال صدق.. الحديث " وما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص " وبالجملة فإن غيبوبة القرص وغروب الشمس ونحو ذلك من هذه العبارات مجملة قابلة للحمل على كل من القولين إذ لفظ القرص ولفظ الشمس بمعنى واحد ولفظ الغيبوبة ولفظ الغروب بمعنى واحد كما لا يخفى، وقد عرفت من كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه بعد أن عبر بسقوط القرص أنه جعل علامته أن يسود أفق المشرق، ونحوه في مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة.
واستدل في المدارك لهذا القول بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: " وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا " وموثقة أبي أسامة زيد الشحام (4) قال: " قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) أؤخر المغرب حتى تستبين