ثم لا يخفى على كل عاقل أن العبد لا يستحق قط على خدمة سيده شيئا لأن خدمة السيد واجبة على عبده شرعا لكونها وظيفة الرق، وكل عبد لا يرى المنة لسيده عليه في إذن له في الوقوف بين يديه فضلا عن إعطائه الثواب الجزيل فهو أعمى القلب في العبيد، فإنه لو طرده مثل غيره ومنعه الوقوف بين يديه لهلك مع الهالكين.
واعلم يا أخي أن أكثر ما يدخل الرياء في الفضائل الزائدة على الفرائض، أما الفرائض فلا يدخلها رياء إلا من حيث تحسينها بإظهار الخشوع فيها ونحو ذلك. والفرق بينهما أن العبد في فعل الفرائض عبد اضطرار وفي النوافل عبد اختيار فكأنه يقول في نفسه قد فعلت ما كلفني الله تعالى به وزدت عليه، ولو شئت لم أفعله، فلذلك يغلب عليه شهود فضله على أخيه بفعل ذلك بخلافه في الفرائض، ولذلك أمر العبد أن يقول في سجود التلاوة سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته بخلاف الفرائض لا يقول فيها بحوله وقوته لأنه لا يرى نفسه بها على غيره غالبا.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ صادق يفني اختياره ويصبر على نهره ومناقشته له حتى يسير به في طريق الغيب ويوصله إلى حضرة ربه عز وجل، ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه شهود العمل لنفسه وحب المحمدة به عند الناس وحب الشهرة بالصلاح شاء أم أبى.
وإيضاح ذلك أن من لم يسلك الطريق لا يصح له غالبا دخول حضرة الإحسان التي يعبد الله فيها كأنه يراه أبدا، فهو واقف في عبادته مع نفسه ومع الخلق في الأعمال، ولو أنه دخل حضرة الإحسان لشهد الله تعالى هو الفاعل لجميع أعماله خلقا وإيجادا على الكشف والشهود، وما بقي للعبد إلا وجه إسناد الفعل إليه مجازا لأجل قيامه بالحدود والتكاليف لا غير، ومن كان كذلك لم يجد لنفسه عملا أصلا فاستراح من ورطة الرياء بالأعمال والإعجاب به وطلب الثواب من الله تعالى لأجله ونحو ذلك، فصار يشهد جوارحه كالآلة التي يحركها المحرك على الفارغ فيرى الله هو الفاعل في جوارحه بالإمداد والقوى لا هو، فإن العبد إذا أمره الحق تعالى، بقوله افعل يتيه إعجابا في نسبة الفعل إليه، ثم يسبقه إمداد الحق تعالى لقوته الفاعلة عند الفعل من حيث لا يشعر، فيظن أنه الفاعل وينسى الفاعل الحقيقي، ولو أنه نظر إلى قواه الباطنة وما أمده الحق تعالى لها من القوى لذهب عنه الرياء جملة واحدة، فكان حكمه حينئذ حكمة من نام إلى الصباح وبجانبه شخص